الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ }

قوله تعالى: { قال قائل منهم } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، ومقاتل. والثاني: أنه شمعون، قاله مجاهد. والثالث: روبيل، قاله قتادة، وابن إِسحاق. فأما غيابة الجب، فقال أبو عبيدة: كل شيء غيَّب عنك شيئاً فهو غيابة، والجب: الرَّكية التي لم تطو. وقال الزجاج: الغيابة: كل ما غاب عنك، أو غيَّب شيئاً عنك، قال المنخِّل:
فإنْ أنا يَوْماً غيَّبَتْني غَيَابَتي   فسِيروا بِسَيْري في العشيرة والأهْلِ
والجب: البئر التي لم تطو؛ سميت جباً من أجل أنها قُطعت قطْعاً، ولم يحدث فيها غير القطع من طي وما أشبهه. وقال ابن عباس: «في غيابة الجب» أي: في ظلماته. وقال الحسن: في قعره. وقرأ نافع: «غيابات الجب» فجعل كل منه غيابة. وروى خارجة عن نافع: «غيَّابات» بتشديد الياء. وقرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد: «غيبة الجب» بغير ألف مع إِسكان الياء. وأين كان هذا الجب، فيه قولان:

أحدهما: بأرض الأردن، قاله وهب. وقال مقاتل: هو بأرض الأردن على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب. والثاني: ببيت المقدس، قاله قتادة.

قوله تعالى: { يلتقطه بعض السيارة } قال ابن عباس: يأخذه بعض من يسير. { إِن كنتم فاعلين } أي: إِن أضمرتم له ما تريدون. وأكثر القراء قرؤوا «يلتقطه» بالياء. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن أبي عبلة بالتاء. قال الزجاج: وجميع النحويين يجيزون ذلك، لأن بعض السيارة سيارة، فكأنه قال: تلتقطه سيارة بعض السيارة. وقال ابن الأنباري: من قرأ بالتاء، فقد أنَّث فعل بعض، وبعض مذكر، وإِنما فعل ذلك حملاً على المعنى، إِذ التأويل: تلتقطه السيارة، قال الشاعر:
رأت مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مني   كما أخَذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ
أراد: رأت السنين، وقال الآخر:
طُولُ الليالي أَسْرَعتْ في نَقْضي   طَوَيْنَ طُوِلي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
أراد: الليالي، أسرعت، وقال جرير:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ   سُورُ المَدِينَةِ والْجِبَالُ الخُشَّعُ
أراد: تواضعت المدينة، وقال الآخر:
وتشْرَقُ بالْقَوْلِ الَّذي قد أَذَعْتُهُ   كما شَرقتْ صدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
أراد: كما شرقت القناة.

قال المفسرون: فلما عزم القوم على كيد يوسف، قالوا لأبيه: { مالك لا تأمنّا } قرأ الجماعة «تأمنا» بفتح الميم وإِدغام النون الأولى في الثانية والإِشارة إِلى إِعراب النون المدغمة بالضم؛ قال مكي: لأن الأصل «تأمننا» ثم أدغمت النون الأولى، وبقي الإِشمام يدل على ضمة النون الأولى. والإِشمام: هو ضم شفتيك من غير صوت يُسمع، فهو بعد الإِدغام وقبل فتحه النون الثانية. وابن كيسان يسمي الإِشمام الإِشارة، ويسمى الرَّوم إِشماماً؛ والرَّوْم: صوت ضعيف يُسمع خفياً. وقرأ أبو جعفر «تأمنّا» بفتح النون من غير إِشمام إِلى إِعراب المدغم. وقرأ الحسن «مَالَكَ لا تأمُنّا» بضم الميم.

السابقالتالي
2