الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

قوله تعالى: { ولما جاءت رسلنا لوطاً } قال المفسرون: خرجت الملائكة من عند إِبراهيم نحو قرية لوط، فأَتَوْهَا عشاءً. وقال السدي عن أشياخه: أَتَوْهَا نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم، لقوا بنت لوط تستقي الماء لأهلها، فقالوا: لها: ياجارية، هل من منزل؟ قالت: نعم، مكانَكم لا تدخلوا حتى آتيكم فَرَقاً عليهم من قومها؛ فأتت أباها، فقالت: يا أبتاه، أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم؛ وقد كان قومه نَهَوْهُ أن يضيف رجلاً؛ فجاء بهم، ولم يعلم بهم أحد إِلا أهل بيت لوط؛ فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فجاؤوا يُهْرَعُونَ إِليه.

قوله تعالى: { سيء بهم } فيه قولان.

أحدهما: ساء ظنه بقومه، قاله ابن عباس.

والثاني: ساءه مجيء الرسل، لأنه لم يعرفهم، وأشفق عليهم، من قومه قاله ابن جرير. قال الزجاج: وأصل { سيء بهم } سُوِىء بهم، من السوء، إِلا أن الواو أسكنت ونقلت كسرتها إِلى السين.

قوله تعالى: { وضاق بهم ذرعاً } قال ابن عباس: ضاق ذرعاً بأضيافه. قال الفراء: الأصل فيه: وضاق ذرعه بهم، فنُقل الفعل عن الذرع إِلى ضمير لوط، ونُصب الذرع بتحول الفعل عنه، كما قال:واشتعل الرأس شيباً } [مريم 4] ومعناه: اشتعل شيب الرأس.

قال الزجاج: يقال: ضاق فلان بأمره ذرعاً: إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصاً. وذكر ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن معناه: وقع به مكروه عظيم لايصل إِلى دفعه عن نفسه، فالذرع كناية عن هذا المعنى.

والثاني: أن معناه: ضاق صبره وعظم المكروه عليه؛ وأصله من ذرع فلاناً القيءُ: إِذا غلبه وسبقه.

والثالث: أن المعنى: ضاق بهم وُسْعُه، فناب الذرع والذراع عن الوسع، لأن الذراع من اليد، والعرب تقول: ليس هذا في يدي، يعنون: ليس هذا في وُسْعِي؛ ويدل على صحة هذا أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع، فيقولون: ضقت بهذا الأمر ذراعاً، قال الشاعر:
إِلَيْكَ إِلَيْكَ ضَاقَ بِهِم ذِرَاعَا   
فأما العصيب، فقال أبو عبيدة: العصيب: الشديد الذي يعصب الناس بالشر، وأنشد:
يَوْمٌ عَصِيبُ يَعْصِبُ الأَ بْطَالاَ   عَصْبَ القويِّ السَّلَمَ الطِّوالا
وقال أبو عبيد: يقال: يوم عصيب، ويوم عصبصب: إِذا كان شديداً.

قوله تعالى: { يهرعون إِليه } قال ابن عباس، ومجاهد: «يهرعون» يسرعون. وقال الفراء، والكسائي: لا يكون الإِهراع إِلا إِسراعاً مع رِعدة. قال ابن قتيبة: الإِهراع شبيه بالرِعدة، يقال: أُهرع الرجل: إِذا أسرع، على لفظ ما لم يسم فاعله، كما يقال: أُرعد. قال ابن الأنباري: الإِهراع فعل واقع بالقوم وهو لَهم في المعنى، كما قالت العرب: قد أُولع الرجل بالأمر، فجعلوه مفعولاً، وهو صاحب الفعل، ومثله: أُرعد زيد، وسُهي عمرو من السهو، كل واحد من هذه الأفاعيل خرج الاسم معه مقدراً تقدير المفعول، وهو صاحب الفعل لا يُعرف له فاعل غيره.

السابقالتالي
2 3 4