الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }

قوله تعالى: { وامرأته قائمة } واسمها سارة. واختلفوا أين كانت قائمة على ثلاثة أقوال:

أحدها: وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب.

والثاني: كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد، والسدي.

والثالث: كانت قائمة تصلي، قاله محمد بن إِسحاق.

وفي قوله: { فضحكت } ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن معنى «ضحكت»: حاضت، قاله مجاهد، وعكرمة. قال ابن قتيبة: وهذا من قولهم: ضحكت الأرنب: إِذا حاضت. فعلى هذا، يكون حيضها حينئذ تأكيد للبشارة بالولد، لأنَ من لا تحيض لاتحمل. وقال الفراء: لم نسمع من ثقة أن معنى «ضحكت» حاضت. قال ابن الأنباري: أنكر الفراء، وأبو عبيدة، وأبو عبيد أن يكون «ضحكت» بمعنى حاضت، وعرفه غيرهم. قال الشاعر:
تَضْحَكُ الضَّبْعُ لقَتْلى هُذَيْلٍ   وَتَرَى الذِّئْبَ لها يَسْتَهِلُّ
قال بعض أهل اللغة: معناه: تحيض.

والثالث: أنه الضحك المعروف، وهو قول الأكثرين.

وفي سبب ضحكها ستة أقوال:

أحدها: أنها ضحكت من شدة خوف إِبراهيم من أضيافه، وقالت: من ماذا يخاف إِبراهيم، وإِنما هم ثلاثة، وهو في أهله وغلمانه؟! رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.

والثاني: أنها ضحكت من بشارة الملائكة لإِبراهيم بالولد، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، ووهب بن منبه؛ فعلى هذا إِنما ضحكت سروراً بالبشارة، ويكون في الآية تقديم وتأخير، المعنى: وامرأته قائمة فبشرناها فضحكت، وهو اختيار ابن قتيبة.

والثالث: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، قاله قتادة.

والرابع: ضكحت من إِمساك الأضياف عن الأكل، وقالت: عجباً لأضيافنا، نخدمهم بأنفسنا، وهم لايأكلون طعامنا! قاله السدي.

والخامس: ضحكت سروراً بالأمن، لأنها خافت كخوف إِبراهيم، قاله الفراء.

والسادس: أنها كانت قالت لإِبراهيم: اضمم إِليك ابن أخيك لوطاً، فانه سينزل العذاب بقومه، فلما جاءت الملائكة بعذابهم، ضحكت سروراً بموافقتها للصواب، ذكره ابن الأنباري.

قال المفسرون: قال جبريل لسارة: أَبْشِري أيتها الضاحكة بولد اسمه إِسحاق، ومن وراء إِسحاق يعقوب، فبشروها أنها تلد إِسحاق، وأنها تعيش إِلى أن ترى ولد الولد.

وفي معنى الوراء قولان:

أحدهما: أنه بمعنى «بعد»، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره مقاتل، وابن قتيبة.

والثاني: أن الوراء: ولد الولد، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الشعبي، واختاره أبو عبيدة.

فان قيل: كيف يكون يعقوب وراء إِسحاق وهو ولده لصلبه، وإِنما الوراء: ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: المعنى: ومن وراء المنسوب إِلى إِسحاق يعقوب، لأنه قد كان الوراء لإِبراهيم من جهة إِسحاق، فلو قال: ومن الوراء يعقوب، لم يُعلم أهذا الوراء منسوب إِلى إِسحاق، أم إِلى إِسماعيل؟ فأضيف إِلى إِسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس.

السابقالتالي
2