قوله تعالى: { وامرأته قائمة } واسمها سارة. واختلفوا أين كانت قائمة على ثلاثة أقوال: أحدها: وراء الستر تسمع كلامهم، قاله وهب. والثاني: كانت قائمة تخدمهم، قاله مجاهد، والسدي. والثالث: كانت قائمة تصلي، قاله محمد بن إِسحاق. وفي قوله: { فضحكت } ثلاثة أقوال: أحدها: أن الضحك ها هنا بمعنى التعجب، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن معنى «ضحكت»: حاضت، قاله مجاهد، وعكرمة. قال ابن قتيبة: وهذا من قولهم: ضحكت الأرنب: إِذا حاضت. فعلى هذا، يكون حيضها حينئذ تأكيد للبشارة بالولد، لأنَ من لا تحيض لاتحمل. وقال الفراء: لم نسمع من ثقة أن معنى «ضحكت» حاضت. قال ابن الأنباري: أنكر الفراء، وأبو عبيدة، وأبو عبيد أن يكون «ضحكت» بمعنى حاضت، وعرفه غيرهم. قال الشاعر:
تَضْحَكُ الضَّبْعُ لقَتْلى هُذَيْلٍ
وَتَرَى الذِّئْبَ لها يَسْتَهِلُّ
قال بعض أهل اللغة: معناه: تحيض. والثالث: أنه الضحك المعروف، وهو قول الأكثرين. وفي سبب ضحكها ستة أقوال: أحدها: أنها ضحكت من شدة خوف إِبراهيم من أضيافه، وقالت: من ماذا يخاف إِبراهيم، وإِنما هم ثلاثة، وهو في أهله وغلمانه؟! رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مقاتل. والثاني: أنها ضحكت من بشارة الملائكة لإِبراهيم بالولد، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، ووهب بن منبه؛ فعلى هذا إِنما ضحكت سروراً بالبشارة، ويكون في الآية تقديم وتأخير، المعنى: وامرأته قائمة فبشرناها فضحكت، وهو اختيار ابن قتيبة. والثالث: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، قاله قتادة. والرابع: ضكحت من إِمساك الأضياف عن الأكل، وقالت: عجباً لأضيافنا، نخدمهم بأنفسنا، وهم لايأكلون طعامنا! قاله السدي. والخامس: ضحكت سروراً بالأمن، لأنها خافت كخوف إِبراهيم، قاله الفراء. والسادس: أنها كانت قالت لإِبراهيم: اضمم إِليك ابن أخيك لوطاً، فانه سينزل العذاب بقومه، فلما جاءت الملائكة بعذابهم، ضحكت سروراً بموافقتها للصواب، ذكره ابن الأنباري. قال المفسرون: قال جبريل لسارة: أَبْشِري أيتها الضاحكة بولد اسمه إِسحاق، ومن وراء إِسحاق يعقوب، فبشروها أنها تلد إِسحاق، وأنها تعيش إِلى أن ترى ولد الولد. وفي معنى الوراء قولان: أحدهما: أنه بمعنى «بعد»، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره مقاتل، وابن قتيبة. والثاني: أن الوراء: ولد الولد، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال الشعبي، واختاره أبو عبيدة. فان قيل: كيف يكون يعقوب وراء إِسحاق وهو ولده لصلبه، وإِنما الوراء: ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: المعنى: ومن وراء المنسوب إِلى إِسحاق يعقوب، لأنه قد كان الوراء لإِبراهيم من جهة إِسحاق، فلو قال: ومن الوراء يعقوب، لم يُعلم أهذا الوراء منسوب إِلى إِسحاق، أم إِلى إِسماعيل؟ فأضيف إِلى إِسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس.