الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } * { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله تعالى: { إِن نقول } أي: ما نقول في سبب مخالفتك إِيانا إِلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبِّك إياها، فالذي تُظهر من عيبها لِما لحق عقلك من التغيير. قال ابن قتيبة: يقال: عراني كذا، واعتراني: إِذا ألمَّ بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عارٍ، ومنه قول النابغة:
أَتَيْتُكَ عَارِيَاً خَلَقاً ثيابي   على خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونُ
قوله تعالى: { إِني أشهد الله... } إِلى آخر الآية. حرك ياء «إِنيَ» نافع. ومعنى الآية: إِن كنتم تقولون: إِن الآلهة عاقبتني لطعني عليها، فاني على يقين من عيبها والبراءةِ منها، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها، { فكيدوني جميعاً } أي: احتالوا أنتم وأوثانكم في ضرِّي، ثم لاتمهلون. قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الرسل، أن يكون الرسول وحدهَ وأُمتُه متعاونة عليه، فيقول لهم: كيدوني، فلا يستطيع أحد منهم ضرَّه، وكذلك قال نوح لقومه:فأجمعوا أمركم وشركاءكم } [يونس: 71]. وقال محمد صلى الله عليه وسلم.فإِن كان لكم كيد فكيدونِ } [المرسلات: 39].

قوله تعالى: { إِلا هو آخذٌ بناصيتها } قال أبو عبيدة: المعنى: أنها في قبضته ومِلكه وسلطانه.

فان قيل: لم خص الناصية؟ فالجواب: أن الناصية هي شعر مقدَّم الرأس، فاذا أخذت بها من شخص، فقد ملكت سائر بدنه، وذلَّ لك.

قوله تعالى: { إِن ربي على صراط مستقيم } قال مجاهد: على الحق. وقال غيره: في الكلام إِضمار، تقديره: إِن ربي يدل على صراط مستقيم. فان قيل: ما وجه المناسبة بين قوله: { إِلا هو آخذ بناصيتها } وبين كونه على صراط مستقيم؟ فعنه جوابان.

أحدهما: أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق، كان معناه: أنهم لا يخرجون عن قبضته، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب، ولا يخفي عليه مستتر.

والثاني: أن المعنى: أنه وإِن كان قادراً عليهم، فهو لايظلمهم، ولايريد إِلا العدل، ذكرهما ابن الأنباري.