قوله تعالى: { وقيل يا أرض ابلعي ماءك } وقف قوم على ظاهر الآية، وقالوا: إِنما ابتلعت مانبع منها، ولم تبتلع ماء السماء، فصار ذلك بحاراً وأنهاراً، وهو معنى قول ابن عباس. وذهب آخرون إِلى أن المراد: ابلعي ماءك الذي عليك، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض. قوله تعالى: { وياسماء أقلعي } أي: أمسكي عن إِنزال الماء. قال ابن الأنباري: لما تقدم ذكر الماء، عُلم أن المعنى: أقلعي عن إِنزال الماء. قوله تعالى: { وغيض الماء } أي: نقص. قال الزجاج: يقال: غاض الماء يغيض: إِذا غاب في الأرض. ويجوز إِشمام الضم في الغين. قوله تعالى: { وقضي الأمر } قال ابن عباس: غرق مَنْ غرق، ونجا مَنْ نجا. وقال مجاهد: قضي الأمر: هلاك قوم نوح. وقال ابن قتيبة: «وقضي الأمر» أي: فرغ منه. قال ابن الأنباري: والمعنى: أُحكمتْ هلكة قوم نوح، فلما دلت القصة على ما يبيِّن هلكتهم، أغنى عن نعت الأمر. قوله تعالى: { واستوت } يعني السفينة { على الجوديّ } وهو اسم جبل. وقرأ الأعمش، وابن أبي عبلة: «على الجودي» بسكون الياء. قال ابن الأنباري: وتشديد الياء في «الجوديّ» لأنها ياء النسبة، فهي كالياء في علوي، وهاشمي. وقد خففها بعض القراء. ومن العرب من يخفف ياء النسبة، فيسكنها في الرفع، والخفض، ويفتحها في النصب، فيقول: قام زيد العلوي، ورأيت زيداً العلوي. قال ابن عباس: درات السفينة بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله إِلى الجودي فاستقرت عليه. واختلفوا أين هذا الجبل على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه بالموصل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك. والثاني: بالجزيرة، قاله مجاهد، وقتادة. وقال مقاتل: هو بالجزيرة قريب من الموصل. والثالث: أنه بناحية آمِد، قاله الزجاج. وفي علة استوائها عليه قولان: أحدهما: أنه لم يغرق، لأن الجبال تشامخت يومئذ وتطاولت، وتواضع هو فلم يغرق، فأرست عليه، قاله مجاهد. والثاني: أنه لما قلَّ الماء أَرْسَتْ عليه، فكان استواؤها عليه دلالة على قلة الماء. قوله تعالى: { وقيل بُعْدَاً للقوم الظالمين } قال ابن عباس: بُعداً من رحمة الله للقوم الكافرين. فان قيل: ما ذنب من أُغرق من البهائم والأطفال؟ فالجواب: أنَّ آجالهم حضرت، فأُميتوا بالغرق، قاله الضحاك، وابن جريج. قوله تعالى: { رب إِنَّ ابني من أهلي } إِنما قال نوح هذا، لأن الله تعالى وعده نجاة أهله، فقال: { وإِن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين } قال ابن عباس: أعدل العادلين. وقال ابن زيد: فأنت أحكم الحاكمين بالحق. واختلفوا في هذا الذي سأل فيه نوح على قولين. أحدهما: أنه ابن نوح لصلبه، قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، والجمهور.