الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }

قوله تعالى: { حتى إِذا جاء أمرنا } فيه قولان:

أحدهما: جاء أمرنا بعذابهم وإِهلاكهم.

والثاني: جاء عذابنا و هو الماء، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإِكليل، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السفينة، فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين. قوله تعالى: { وفار التَنُّورُ } الفور: الغليان؛ والفوَّارة: ما يفور من القِدْر، قاله ابن فارس.

قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال: التنور اسم فارسي معرَّب لا تعرف له العرب اسماً غير هذا، فلذلك جاء في التنزيل، لأنهم خوطبوا بما عرفوا.

وروي عن ابن عباس أنه قال: التنور، بكل لسان عربي وعجمي.

وفي المراد بهذا التنور ستة أقوال:

أحدها: أنه اسم لوجه الأرض، رواه عكرمة عن علي عليه السلام. وروى الضحاك عن ابن عباس: التنور: وجه الأرض، قال: قيل له: إِذا رأيت الماءَ قد علا وجهَ الأرض، فاركب أنت وأصحابك، وهذا قول عكرمة، والزهري.

والثاني: أنه تنوير الصبح، رواه أبو جحيفة عن علي رضي الله عنه. وقال ابن قتيبه: التنوير عند الصلاة.

والثالث: أنه طلوع الفجر، روي عن علي أيضا، قال: «وفار التنور» طلع الفجر.

والرابع: أنه طلوع الشمس، وهو منقول عن علي أيضا.

والخامس: أنه تنُّور أهله، روى العوفي عن ابن عباس قال: إِذا رأيت تنُّور أهلك يخرج منه الماء، فانه هلاك قومك. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أنه تنُّور آدم عليه السلام، وهبه الله لنوح، وقيل له: إِذا فار الماء منه، فاحمل ماأُمرتَ به. وقال الحسن: كان تنوراً من حجارة، وهذا قول مجاهد، والفراء، ومقاتل.

والسادس: أنه أعلى الأرض وأشرفها.

قال ابن الأنباري: شُبهت أعالي الأرض وأماكنها المرتفعة لعلوها، بالتنانير. واختلفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه فار من مسجد الكوفة، رواه حبة العربي عن علي عليه السلام. وقال زِرُّ بن حُبَيش: فار التنور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى. وقال مجاهد: نبع الماء من التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته، وكان ذلك بناحية الكوفة. وكان الشعبي يحلف بالله ما كان التنور إِلا بناحية الكوفة.

والثاني: أنه فار بالهند، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان في أقصى دار نوح، وكانت بالشام في مكان يقال له: عين وردة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { قلنا احمل فيها } أي: في السفينة { من كل زوجين اثنين }.

وروى حفص عن عاصم: «من كُلٍّ» بالتنوين. قال أبو علي: والمعنى: من كل شيء، ومن كل زوج زوجين، فحذف المضاف. وانتصاب «اثنين» على أنهما صفة لزوجين، وقد علم أن الزوجين اثنان، ولكنه توكيد.

السابقالتالي
2