الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض } قال ابن عباس: لم يُعجزوني أن آمر الأرض فتُخسف بهم. { وما كان لهم من دون الله من أولياء } أي: لا وليِّ لهم ممن يعبدون يمنعهم مني. وقال ابن الأنباري: لما كانت عادة العرب جارية بقولهم: لا وزَرَ لك مني ولا نَفَق، يعنون بالوزر: الجبل، والنفق: السرَبَ، وكلاهما يلجأ إِليه الخائف، أعلم الله تعالى أن هؤلاء الكافرين لا يسبقونه هرباً، ولا يجدون ما يحجز بينهم وبين عذابه من جميع ما يستر من الأرض ويُلجأ إِليه. قال: وقوله: «من أولياءَ» يقتضي محذوفاً، تلخيصه: من أولياءَ يمنعونهم من عذاب الله، فحذف هذا لشهرته.

قوله تعالى: { يضاعَف لهم العذاب } يعني الرؤساء الصادِّين عن سبيل الله، وذلك لإِضلالهم أتباعهم واقتداءِ غيرهم بهم. وقال الزجاج: «لم يكونوا معجزين في الأرض» أي: في دار الدنيا، ولا لهم ولي يمنع من انتقام الله، ثم استأنف { يضاعف لهم العذاب } لعظم كفرهم بنبيه وبالبعث والنشور.

قوله تعالى: { ما كانوا يستطيعون السمع } فيمن عني بهذا قولان:

أحدهما: أنهم الكفار. ثم في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم لم يقدروا على استماع الخير، وإِبصار الحق، وفعل الطاعة، لأن الله تعالى حال بينهم وبين ذلك، هذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: أن المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون حُجج الله ولا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما تقول العرب: لأجزينَّك ما عملت، وبما عملت، ذكره الفراء، وأنشد ابن الأنباري في الاحتجاج له:
نُغالي اللحمَ للأضياف نيِئا   ونبذُله إِذا نضِجَ القُدورُ
أراد: نغالي باللحم.

والثالث: أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقول، قاله الزجاج.

والقول الثاني: أنهم الأصنام، فالمعنى: ما كان للآلهة سمع ولا بصر، فلم تستطع لذلك السمع، ولم تكن تبصر. فعلى هذا، يرجع قوله: «ما كانوا» إِلى أوليائهم، وهي الأصنام، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضاً.