الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

قوله تعالى: { يوم يأت } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: «يوم يأتي» بياء في الوصل، وحذفوها في الوقف؛ غير أن ابن كثير كان يقف بالياء، ويصل بالياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف. قال الزجاج: الذي يختاره النحويون «يوم يأتي» باثبات الياء، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيراً. وقد حكى الخليل، وسيبويه، أن العرب تقول: لا أدرِ، فتحذف الياء، وتجتزىء بالكسرة، ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال. وقال الفراء: كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم، فإن العرب تحذفها وتجتزىء بالكسرة من الياء، وبالضمة من الواو، وأنشدني بعضهم:
كفّاك كَفٌّ مَا تُلِيْقُ دِرْهَمَا   جُوْدَاً وأُخْرى تُعْطِ بالسَّيفِ الدِّما
قال المفسرون: وقوله: { يوم يأتي } يعني: يأتي ذلك اليوم، لا تكلَّم نفس إِلا بإذن الله، فكل الخلائق ساكتون، إِلا من أذن الله له في الكلام. وقيل: المراد بهذا الكلام الشفاعة.

قوله تعالى: { فمنهم شقي } قال ابن عباس: منهم من كُتبت عليه الشقاوة، ومنهم من كُتبت له السعادة.

قوله تعالى: { لهم فيها زفير وشهيق } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الزفير كزفير الحمار في الصدر، وهو أول ما ينهق، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، ومقاتل، والفراء. وقال الزجاج: الزفير: شديد الأنين وقبيحه، والشهيق: الأنين الشديد المرتفع جداً، وهما من أصوات المكروبين. وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق.

والثاني: أن الزفير في الحلق، والشهيق في الصدور، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، والربيع بن أنس. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: الزفير: الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف. وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير، لأن الشهيق ردُّ النَّفَس، والزفير إِخراج النَّفَس. وقال غيره: الزفير: الشديد، مأخوذ من الزَّفْر، وهو الحَمل على الظهر لشدته؛ والشهيق: النَّفَس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم: جبل شاهق، أي: طويل.

والثالث: أن الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } المعروف فيه قولان.

أحدهما: أنها السموات المعروفة عندنا، والأرض المعروفة؛ قال ابن قتيبة، وابن الأنباري: للعرب في معنى الأبد الفاظ؛ تقول: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السموات والأرض، وما اختلفت الجِرَّة والدِرَّة، وما أطّت الإِبل، في أشباه لهذا كثيرة، ظناً منهم أن هذه الأشياء لا تتغير، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم.

السابقالتالي
2