الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

قوله تعالى: (ألم تر) فيه قولان.

أحدهما: ألم تُخْبَرْ، قاله الفراء.

والثاني: ألم تَعْلَم، قاله الزجاج. ومعنى الكلام معنى التعجب. وأصحاب الفيل هم الذين قصدوا تخريب الكعبة.

وفي سبب قصدهم لذلك قولان:

أحدهما: أن أبرهة بني بيعةً وقال: لست منتهياً حتى أضيف إليها حَجَّ العرب، فسمع بذلك رجل من بني كنانة، فخرج، فدخلها ليلاً، فأحدث فيها، فبلغ ذلك أبرهة، فحلف ليسيرنَّ إلى الكعبة فيهدِمَها، قاله ابن عباس.

والثاني: أن قوماً من قريش خرجوا في تجارة إلى أرض النجاشي فنزلوا في جنب بِيعَةٍ، فأوقدوا ناراً، وشَوَوْا لحماً، فلما رَحَلُوا هَبَّت الرِّيح، فاضطرم المكان ناراً، فغضب النجاشي لأجل البِيَعة، فقال له كبراء أصحابه - منهم حجر بن شراحيل، وأبو يكسوم ـ: لا تحزن، فنحن نَهدِم الكعبة، قاله مقاتل. وقال ابن اسحاق: أبو يكسوم اسمه أبرهة بن الأشرم. وقيل: وزيره، وحِجْر من قُوَّادِه.

ذكر الإشارة إلى القصة

ذكر أهل التفسير أن أبرهة لما سار بجنوده إلى الكعبة ليهدِمها خرج معه بالفيل، فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالغارة على نَعَم الناس، فأصابوا إبلاً لعبد المطلب، وبعث بعض جنوده، فقال: سل عن شريف مكة، وأخبره أني لم آتِ لقتال، وإنما جئت لأهدِم هذا البيت، فانطلق حتى دخل مكة، فلقيَ عبد المطلب بن هاشم، فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبركَ أنه لم يأتِ لقتال إلا أن تقاتلوه، إنما جاء لهدم هذا البيت، ثم ينصرف عنكم، فقال عبد المطلب: ما له عندنا قتال، وما لنا به يد، إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له، فإن هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه، فهو بيته وحرمه، وإن يخلِّ بينه وبين ذلك، فوالله ما لنا به قوة. قال: فانطلق معي إلى الملك، فلما دخل عبد المطلب على أبرهة أعظمه، وكرمه، ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان، فقال: حاجتي أن يردَّ عليَّ مائتي بعير أصابها. فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت الآن فيك، جئت إلى بيت هو دينك لأهدمه، فلم تكلِّمني فيه، وكلَّمتني لإبل أصبتُها. فقال عبد المطلب: أنا ربُّ هذه الإبل، ولهذا البيت رَبُّ سيمنعه. فأمر بإبله فَرُدَّت عليه، فخرج، فأخبر قريشاً، وأمرهم أن يتفرَّقوا في الشعاب ورؤوس الجبال خوفاً من مَعَرَّة الجيش إذا دخل، ففعلوا، فأتى عبد المطلب الكعبة، فأخذ بحلقة الباب، وجعل يقول:
يَا رَبِّ لاَ أَرْجُو لهم سِوَاكَا   يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا
إنَّ عَدُوَّ البيت مَنْ عَادَاكا   إمْنَعْهُمُ أن يُخْرِبُوا قُرَاكا
وقال أيضاً:
لاَ هُمَّ إنَّ المرْءَ يَمْـ   ـَنُع رَحْلَه فامنع حِلاَلَكْ
لاَ يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ   وَمِحَالُهم غَدْواً مِحَالَكْ
جَرُّوا جميعَ بلادهم   والفيلَ كي يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمِدُوا حِمَاك بكيدِهم   جهلاً وما رَقَبُوا جَلاَلَكْ
إنْ كنتَ تاركهم وكَعْـ   ـتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَالَكْ

السابقالتالي
2 3