الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } * { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } * { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } * { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } * { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ }

قوله تعالى: { والعاديات } فيه قولان:

أحدهما: أنها الإبل في الحج، قاله علي، وابن مسعود، وعبيد بن عمير، والقرظي، والسدي. وروي عن علي أنه قال: و «العاديات ضبحاً» من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى، وروي عن علي أنه قال هذا في صفة وقعة بدر. قال: وما كان معنا يومئذ إلا فرس. وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان.

والثاني: أنها الخيل في سبيل الله، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وأبو العالية، وعكرمة، وقتادة، وعطية، والربيع، واللغويون. وكان ابن عباس يذهب إلى أن هذا كان في سريَّة، فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً، فلم يأته خبرها شهراً، فنزلت «والعاديات ضبحاً» ضبحت بمناخرها { فالموريات قدحاً } قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً { فالمغيرات صبحاً } صبحت القوم بغارة { فأثرن به نقعاً } أثارت بحوافرها التراب { فوسطن به جمعاً } قال: صبحت الحي جميعاً. وقال مقاتل: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة إلى حَيَّيْن من كنانة واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري، فأبطأ عنه خبرها، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تناجَوْا، فيظن الرجل أنه قد قُتِلَ أخوه أو أبوه، أو عمه، فيجد من ذلك حزناً، فنزلت «والعاديات ضبحاً» فأخبر الله كيف فعل بهم. قال الفراء: الضبح: أصوات أنفاس الخيل إذا عَدَوْنَ. وقال ابن قتيبة: الضبح: صوت حلوقها إذا عَدَتْ. وقال الزجاج: ضبحها: صوت أجوافها إذا عَدَتْ.

قوله تعالى: { فالموريات قَدْحاً } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أنها الخيل تُوري النار بحوافرها إذا جرت، وهذا قول الجمهور.

قال الزجاج: إذا عدت الخيل بالليل، فأصابت بحوافرها الحجارة، انقدحت منها النيران.

والثاني: أنها نيران المجاهدين إذا أُوقدت، روي عن ابن عباس.

والثالث: مَكْرُ الرجال في الحرب، قاله مجاهد، وزيد بن أسلم.

والرابع: نيران الحجيج بالمزدلفة، قاله القرظي.

والخامس: أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأُقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل، قاله عكرمة.

قوله تعالى: { فالمغيرات صبحاً } هي التي تغير على العَدُوِّ عند الصباح، هذا قول الأكثرين. وقال ابن مسعود: فالمغيرات صبحاً حين يُفيضون من جمع.

قوله تعالى: { فأَثَرْنَ به } قال الفراء: يريد بالوادي ولم يذكره قبل ذلك، وهذا جائز، لأن الغبار لا يثار إلا من موضع. والنقع: الغبار، ويقال: التراب. وقال الزجاج: المعنى: فأثرن بمكان عَدْوِهِنَّ، ولم يتقدم ذكر المكان، ولكن في الكلام دليل عليه { فوسطن به جمعاً } قال المفسرون: المعنى: توسطن جمعاً من العدو، فأغارت عليهم. وقال ابن مسعود: فوسطن به جمعاً، يعني مزدلفة.

قوله تعالى: { إن الإنسان لربه لكنود } هذا جواب القسم.

السابقالتالي
2