الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

قوله تعالى: { ولقد بوَّأنا بني إِسرائيل } أي: أنزلناهم منزل صدق، أي منزلاً كريما. وفي المراد ببني إِسرائيل قولان:

أحدهما: أصحاب موسى.

والثاني: قريظة والنضير. وفي المراد بالمنزل الذي أُنزلوه خمسة أقوال.

أحدها: أنه الأردن، وفلسطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: الشام، وبيت المقدس، قاله الضحاك وقتادة.

والثالث: مصر، روي عن الضحاك أيضاً.

والرابع: بيت المقدس، قاله مقاتل.

والخامس: ما بين المدينة والشام من أرض يثرب، ذكره علي بن أحمد النيسابوري. والمراد بالطيبات: ما أُحل لهم من الخيرات الطيبة. { فما اختلفوا } يعني بني إسرائيل. قال ابن عباس: ما اختلفوا في محمد، لم يزالوا به مصدِّقين، { حتى جاءهم العلم } يعني: القرآن، وروي عنه: حتى جاءهم العلم، يعني محمداً. فعلى هذا يكون العلم هاهنا: عبارة عن المعلوم. وبيان هذا أنه لما جاءهم، اختلفوا في تصديقه، وكفر به أكثرهم بغياً وحسداً بعد أن كانوا مجتمعين على تصديقه قبل ظهوره.

قوله تعالى: { فإن كنتَ في شك } في تأويل هذه الآية ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره من الشاكّين، بدليل قوله في آخر السورة:إِن كنتم في شكٍّ من ديني } [يونس 105]، ومثله قولهيا أيها النَّبيُّ اتَّق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليماً حكيماً } [الأحزاب 2] ثم قال:بما تعملون خبيراً } [الأحزاب 3] ولم يقل: بما تعمل، وهذا قول الأكثرين.

والثاني: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو المراد به. ثم في المعنى قولان:

أحدهما: أنه خوطب بذلك وإن لم يكن في شك، لأنه من المستفيض في لغة العرب أن يقول الرجل لولده: إن كنت ابني فبِرَّني، ولعبده: إِن كنت عبدي فأطعني، وهذا اختيار الفراء. وقال ابن عباس: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك، ولا سأل.

والثاني: أن تكون «إِن» بمعنى «ما» فالمعنى: ما كنت في شك { فاسأل } ، المعنى: لسنا نريد أن نأمرك أن تسأل لأنك شاكّ، ولكن لتزداد بصيرة، ذكره الزجاج.

والثالث: أن الخطاب للشاكّين، فالمعنى: إِن كنت أيها الإِنسان في شك مما أُنزل إليك على لسان محمد، فَسَلْ، روي عن ابن قتيبة.

وفي الذي أنزل إِليه قولان.

أحدهما: أنه أُنزل إِليه أنه رسول الله.

والثاني: أنه مكتوب عندهم في التوراة والإِنجيل.

قوله تعالى: { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } وهم اليهود والنصارى. وفي الذين أُمر بسؤالهم منهم قولان:

أحدهما: من آمن، كعبد الله بن سلام، قاله ابن عباس، ومجاهد في آخرين.

والثاني: أهل الصدق منهم، قاله الضحاك، وهو يرجع إِلى الأول، لأنه لا يَصْدق إلا من آمن.

قوله تعالى: { لقد جاءك الحق من ربك } هذا كلام مستأنف.

قوله تعالى: { إِن الذين حقت } أي: وجبت { عليهم كلمةُ ربِّك } أي: قوله. وبماذا حقت الكلمة عليهم، فيه أربعة أقوال:

أحدها: باللعنة.

والثاني: بنزول العذاب.

والثالث: بالسَّخط.

والرابع: بالنقمة.

قوله تعالى: { ولو جاءتهم كل آية } قال الأخفش: إِنما أنَّث فعل «كل» لأنه أضافه إلى «آية» وهي مؤنثة.