الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } * { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

قوله تعالى: { فلما جاءهم الحق من عندنا } وهو ما جاء به موسى من الآيات.

قوله تعالى: { أسحر هذا } قال الزجاج: المعنى: أتقولون للحق لما جاءَكم هذا اللفظ، وهو قولهم: { إِنَّ هذا لسحرٌ مبين }. ثم قررهم فقال: { أسحر هذا }؟. قال ابن الأنباري: إِنما أدخلوا الألف على جهة تفظيع الأمر، كما يقول الرجل إِذا نظر إِلى الكسوة الفاخرة: أكسوة هذه؟ يريد بالاستفهام تعظيمها، وتأتي الرجلَ جائزةٌ، فيقول: أحقٌّ ما أرى؟ معظِّماً لما ورد عليه. وقال غيره: تقدير الكلام: أتقولون للحق لما جاءكم: هو سحر؟ أسحر هذا؟ فحذف السحر الأولُ اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كقوله:فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم } [الإسراء: 8] المعنى: بعثناهم ليسوؤوا وجوهَكم.

قوله تعالى: { أجئتنا لتلفتنا } قال ابن قتيبة: لتصرفنا. يقال: لفتُّ فلاناً عن كذا: إِذا صرفته. ومنه الالتفات، وهو الانصراف عما كنت مقبلاً عليه. قوله تعالى: { وتكونَ لكما الكبرياء في الأرض } وروى أبان، وزيد عن يعقوب { ويكون لكما } بالياء. وفي المراد بالكبرياء ثلاثة أقوال: أحدها: الملك والشرف، قاله ابن عباس.

والثاني: الطاعة، قاله الضحاك.

والثالث: العلوّ، قاله ابن زيد. قال ابن عباس: والأرض هاهنا، أرض مصر.

قوله تعالى: { بكل ساحر } قرأ حمزة، والكسائي، وخلف «بكل سحَّار» بتشديد الحاء وتأخير الألف.

قوله تعالى: { ما جئتم به السحرُ } قرأ الأكثرون «السحرُ» بغير مدّ، على لفظ الخبر، والمعنى: الذي جئتم به من الحبال والعصيّ، هو السحر، وهذا ردٌّّ لقولهم للحق: هذا سحر، فتقديره: الذي جئتم به السحر، فدخلت الألف واللام، لأن النكرة إِذا عادت، عادت معرفة، كما تقول: رأيت رجلاً، فقال ليَ الرجل. وقرأ مجاهد، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وأبان عن عاصم، وأبو حاتم عن يعقوب «آلسحر» بمدِّ الألف، استفهاماً. قال الزجاج: والمعنى: أي شيء جئتم به؟ أسحر هو؟ على جهة التوبيخ لهم. وقال ابن الأنباري: هذا الاستفهام معناه التعظيم للسحر، لا على سبيل الاستفهام عن الشيء الذي يُجهل، وذلك مثل قول الإِنسان في الخطأ الذي يستعظمه من إِنسان: أَخَطَأٌ هذا؟ أي: هو عظيم الشأن في الخطأ. والعرب تستفهم عما هو معلوم عندها، قال امرؤ القيس:
أغرَّكِ مِنّي أنّ حُبَّكِ قاتلي   وأنَّك مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِ
وقال قيس بن ذريح:
أراجعةٌ يالُبنَ أيامُنا الأُلى   بذي الطَّلح أم لا ما لَهُنَّ رجوعُ
فاستفهم وهو يعلم أنهن لا يرجعن.

قوله تعالى: { إِن الله سيبطله } أي: يهلكه، ويُظهر فضيحتكم، { إِن الله لا يصلح عمل المفسدين } لا يجعل عملهم نافعاً لهم. { ويُحقُّ الله الحقَّ } أي: يظهره ويمكنِّه، { بكلماته } بما سبق من وعده بذلك.