الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } * { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } * { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }

في صحيح البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها، قال: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه التحنث في غار حراء، فكان يخلو فيه فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ثم ينصرف حتى جاءه الملك وهو في غار حراء، فقال له: { اقرأ } ، فقال: ما أنا بقارىء، قال: فأخذني فغطني ثم كذلك ثلاث مرات، فقال له في الثالثة: { اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق } إلى قوله { ما لم يعلم } ، قال فرجع بها رسول ترجف بوادره الحديث بطوله، ومعنى هذه الآية، { اقرأ } هذا القرآن { باسم ربك } ، أي ابدأ فعلك بذكر اسم ربك، كما قال:اركبوا فيها بسم الله } [هود: 41] هذا وجه. ووجه آخر في كتاب الثعلبي أن المعنى: { اقرأ } في أول كل سورة، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم ووجه آخر أن يكون المقروء الذي أمر بقراءته هو { باسم ربك الذي خلق } ، كأنه قال له: { اقرأ } هذا اللفظ، ولما ذكر الرب وكانت العرب في الجاهلية تسمي الأصنام أرباباً جاءه بالصفة التي لا شركة للأصنام فيها، وهي قوله تعالى: { الذي خلق } ، ثم مثل لهم من المخلوقات ما لا مدافعة فيه، وما يجده كل مفطور في نفسه، فقال: { خلق الإنسان من علق } ، وخلقة الإنسان من أعظم العبر حتى أنه ليس في المخلوقات التي لدينا أكثر عبراً منه في عقله وإدراكه ورباطات بدنه وعظامه، والعلق جمع علقة، وهي القطعة اليسيرة من الدم، و { الإنسان } هنا: اسم الجنس، ويمشي الذهن معه إلى جميع الحيوان، وليست الإشارة إلى آدم، لأنه مخلوق من طين، ولم يكن ذلك متقرراً عند الكفار المخاطبين بهذه الآية، فلذلك ترك أصل الخلقة وسيق لهم الفرع الذي هم به مقرون تقريباً لأفهامهم، ثم قال تعالى: { اقرأ وربك الأكرم } على جهة التأنيس، كأنه يقول: امض لما أمرت به وربك ليس كهذه الأرباب، بل هو الأكرم الذي لا يلحقه نقص، فهو ينصرك ويظهرك، ثم عدد تعالى نعمة الكتاب { بالقلم } على الناس وهي موضع عبرة وأعظم منفعة في المخاطبات وتخليد المعارف، وقوله تعالى: { علم الإنسان ما لم يعلم } قيل: المراد محمد عليه السلام، وقيل: اسم الجنس وهو الأظهر، وعدد نعمته اكتساب المعارف بعد جهله بها، وقوله تعالى: { كلا إن الإنسان ليطغى } الآية نزلت بعد مدة من شأن أبي جهل بن هشام، وذلك أنه طغى لغناه ولكثرة من يغشى ناديه من الناس، فناصب رسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة ونهاه عن الصلاة في المسجد، ويروى أنه قال: لئن رأيت محمداً يسجد عند الكعبة لأطأن على عنقه، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عليه القول وانتهره وتوعده، فقال أبو جهل: أيتوعدني، وما والي بالوادي أعظم ندياً مني، ويروى أيضاً أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فهمَّ بأن يصل إليه ويمنعه من الصلاة، ثم كع عنه وانصرف، فقيل له: ما هذا؟ فقال: لقد اعترض بيني وبينه خندق من نار، وهول وأجنحة، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3