الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

تقدم تفسير { الضحى } بأنه سطوع الضوء وعظمه، وقال قتادة: { الضحى } هنا، النهار كله، و { سجى } معناه سكن، واستقر ليلاً تاماً، وقال بعض المفسرين { سجى } معناه أقبل، وقال آخرون: معناه أدبر والأول أصح، ومنه قول الشاعر: [الحارثي]: [الراجز]

يا حبذا القمراء والليل الساج   وطرق مثل ملاء النساج
ويقال بحر ساج أي ساكن ومنه قول الأعشى: [الطويل]

وما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم   وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
وطرف ساج إذا كان ساكناً غير مضطرب النظر، وقرأ جمهور الناس " ودّعك " بشد الدال من التوديع، وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام " ودَعك " بتخفيف الدال من التوديع، وقرأ عروة بن الزبير وأبنه هشام " ودَعك " بتخفيف الدال بمعنى ترك، و { قلى } معناه: أبغض. واختلف في سبب هذه الآية فقال ابن عباس وغيره: أبطأ الوحي مرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة مدة اختلفت في حدها الروايات حتى شق ذلك عليه فجاءت امرأة من الكفار هي أم جميل امرأة أبي لهب، فقالت يا محمد: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت الآية بسبب ذلك. وقال ابن وهب عن رجال عن عروة بن الزبير أن خديجة قالت له: ما أرى الله إلا قد خلاك لإفراط جزعك لبطء الوحي عنك، فنزلت الآية بسبب ذلك، وقال زيد بن أسلم: إنما احتبس عنه جبريل لجرو كلب كان في بيته، وقوله تعالى: { وللآخرة خير لك من الأولى } يحتمل أن يريد الدارين الدنيا والآخرة، وهذا تأويل ابن إسحاق وغيره، ويحتمل أن يريد حاليه في الدنيا قبل نزول السورة وبعدها فوعده الله تعالى على هذا التأويل بالنصر والظهور، وكذلك قوله تعالى: { ولسوف يعطيك ربك } الآية، قال جمهور الناس: ذلك في الآخرة، وقال بعضهم من أهل البيت هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى وأحد من أمته في النار، وروي " أنه عليه السلام لما نزلت قال: " إذاً لا أرضى وأحد من أمتي في النار " ،وقال ابن عباس: رضاه أن لا يدخل أحد من أهل بيته في النار، وقال ابن عباس أيضاً: رضاه أن الله تعالى وعده بألف قصر في الجنة بما يحتاج إليه من النعم والخدم، وقال بعض العلماء رضاه في الدنيا بفتح مكة وغيره، وفي مصحف ابن مسعود: " ولسيعطيك ربك فترضى " ، ثم وقفه تعالى على المراتب التي رجه عنها بإنعامه ويتمه، كان فقد أبيه وكونه في كنف عمه أبي طالب، وقيل لجعفر بن محمد الصادق لم يتم النبي عليه السلام من أبويه، فقال لئلا يكون عليه حق لمخلوق، وقرأ الأشهب العقيلي " فأوى " بالقصر بمعنى رحم، تقول أويت لفلان أي رحمته، وقوله تعالى: { ووجدك ضالاً } أي وجده إنعامه بالنبوة والرسالة على غير الطريقة التي هو عليها في نبوته، وهذا قول الحسن والضحاك وفرقة، والضلال يختلف، فمنه القريب ومنه البعيد، فالبعيد ضلال الكفار الذين يعبدون الأصنام ويحتجون لذلك ويعتبطون به، وكان هذا الضلال الذي ذكره الله تعالى لنبيه عليه السلام أقرب ضلال وهو الكون واقفاً لا يميز المهيع لا أنه تمسك بطريق أحد بل كان يرتاد وينظر، وقال السدي: أقام على أمر قومه أربعين سنة، وقيل معنى { وجدك ضالاً } أي تنسب إلى الضلال، وقال الكلبي ووجدك في قوم ضلال فكأنك واحد منهم.

السابقالتالي
2 3