الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } * { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } * { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } * { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }

أقسم الله تعالى بـ { الشمس } إما على التنبيه منها وإما على تقدير ورب الشمس، و " الضُّحى " بضم الضاد والقصر: ارتفاع الضوء وكماله، وبهذا فسر مجاهد. وقال قتادة: هو النهار كله، وقال مقاتل: { ضحاها } حرها كقوله تعالى في سورة (طه)ولا تضحى } [طه: 119]، و " الضَّحاء " بفتح الضاد والمد ما فوق ذلك إلى الزوال، { والقمر } يتلو الشمس من أول الشهر إلى نصفه في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ويتلوها في النصف الآخر بنحو وآخر, وهي أن تغرب هي فيطلع هو، وقال الحسن بن أبي الحسن: { تلاها } معناه: تبعها دأباً في كل وقت لأنه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك.

قال القاضي أبو محمد: فهذا اتباع لا يختص بنصف أول من الشهر ولا بآخره، وقاله الفراء أيضاً، وقال الزجاج وغيره: { تلاها }: معناه امتلأ واستدار، فكان لها تابعاً في المنزلة والضياء والقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر، قال قتادة: وإنما ذلك ليلة البدر تغيب هي فيطلع هو.

{ والنهار } ظاهر هذه السورة والتي بعدها أنه من طلوع الشمس، وكذلك قال الزجاج في كتاب " الأنواء " وغيره: واليوم من طلوع الفجر، ولا يختلف أن نهايتهما مغيب الشمس، والضمير في { جلاها } يحتمل أن يعود على { الشمس } ويحتمل أن يعود على الأرض أو على الظلمة وإن كان لم يجر له ذكر فالمعنى يقتضيه، قاله الزجاج. و " جلى " معناه كشف وضوى، والفاعل بجلَّى على هذا التأويلات { النهار } ، ويحتمل أن يكون الفاعل الله تعالى كأنه قال: والنهار إذا جلى الله الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته، ويغشى معناه: يغطي: والضمير للشمس على تجوز في المعنى أو للأرض، وقوله تعالى: { وما بناها } وكل ما بعده من نظائره في السورة، يحتمل أن يكون ما فيه بمعنى الذي قال أبو عبيدة: أي ومن بناها, وهو قول الحسن ومجاهد, لأن { ما } , تقع عامة لمن يعقل ولما لا يعقل فيجيء القسم بنفسه تعالى، ويحتمل أن تكون { ما } في جميع ذلك مصدرية، قال قتادة والمبرد والزجاج كأنه قال والسماء وبنيانها، و " طحا " بمعنى " دحا " و " طحا " أيضاً في اللغة بمعنى ذهب كل مذهب، ومنه قول علقمة بن عبدة: [الطويل]

طحا بك قلب في الحسان وطروب   بعيد الشباب عمر حان مشيب
والنفس التي أقسم بها، اسم الجنس، وتسويتها إكمال عقلها ونظرها، ولذلك ربط الكلام بقوله تعالى: { فألهمها } الآية، فالفاء تعطي أن التسوية هي هذا الإلهام، ومعنى قوله تعالى: { فجورها وتقواها } أي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور أو اكتساب التقوى، وجواب القسم في قوله { قد أفلح } ، التقدير: لقد أفلح، والفاعل بـ " زكى " يحتمل أن يكون الله تعالى، وقاله ابن عباس وغيره كأنه قال: قد أفلحت الفرقة أو الطائفة التي زكاها الله تعالى، و { من }: تقع على جمع وإفراد، ويحتمل أن يكون الفاعل بـ " زكى " الإنسان، وعليه تقع { من } وقاله الحسن وغيره، كأنه قال: { قد أفلح } من زكى نفسه أي اكتسب الزكاء الذي قد خلقه الله، و { زكاها } معناه: طهرها ونماها بالخيرات، و { دساها } معناه: أخفاها وحقرها أي وصغر قدرها بالمعاصي والبخل بما يجب، يقال دسا يدسو ودسّى بشد السين يدسي وأصله دسس، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

السابقالتالي
2 3