الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

في هذه الآية على عرف كلام العرب، استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل، وهي ما صعب منه وكان صعوداً، و { اقتحم } معناه: دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة، وأما المفسرون فرأوا أن { العقبة } يراد بها جبل في جهنم، لا ينجي منه إلا هذه الأعمال ونحوها، قاله ابن عباس وقتادة، وقال الحسن: { العقبة } جهنم، قال هو وقتادة فاقتحموها بطاعة الله، وفي الحديث: " إن اقتحامها للمؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء " واختلف الناس في قوله { فلا } فقال جمهور المتأولين: هو تحضيض بمعنى " فألا " ، وقال آخرون وهو دعاء بمعنى أنه ممن يستحق أن يدعى عليه بأن لا يفعل خيراً، وقيل هي نفي، أي " فما اقتحم " ، وقال أبو عبيدة والزجاج وهذا نحو قوله تعالى:فلا صدق ولا صلى } [القيامة: 31] فهو نفي محض كأنه قال: وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل فما فعل خيراً، ثم عظم الله تعالى أمر العقبة في النفوس بقوله: { وما أدراك ما العقبة }؟ ثم فسر اقتحام العقبة بقوله { فك رقبة } وذلك أن التقدير وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ هذا على قراءة من قرأ " فكُّ رقبة " بالرفع على المصدر، وأما من قرأ " فكّ " على الفعل الماضي ونصب الرقبة، فليس يحتاج أن يقدر { وما أدراك } ما اقتحام، بل يكون التعظيم للعقبة نفسها، ويجيء " فكّ " بدلاً من { اقتحم } ومبيناً. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة " فك رقبة أو إطعام " وقرأ أبو عمرو " فك رقبةً " بالنصب " أو أطعم " ، وقرأ بعض التابعين " فكِّ رقبة " بالخفض، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أيضاً والكسائي " فكَّّ رقبة " بالنصب " أو إطعام ". وترتيب هذه القراءات ووجوهها بينة، وفك الرقبة معناه: بالعتق من ربقة الأسر أو الرق، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار. " " وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل أنجو به، فقال: " لئن قصرت القول لقد عرضت المسألة فك رقبة، وأعتق النسمة " ، فقال الأعرابي: أليس هما واحداً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها " ".

قال القاضي أبو محمد: وكذلك فك الأسير إن شاء الله، وفداؤه أن ينفرد الفادي به، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " وأبق على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق هذا كله، فكف لسانك إلا من خير "

السابقالتالي
2 3