الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

الذي كثر في كتب أهل العلم أن فرقة من اليهود تقول هذه المقالة ـ وروي أنه لم يقلها إلا فنحاص، وقال ابن عباس: قالها أربعة من أحبارهم، سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف وقال النقاش: لم يبق يهودي يقولها بل انقرضوا.

قال القاضي أبو محمد: فإذا قالها واحد فيتوجه أن يلزم الجماعة شنعة المقالة لأجل نباهة القائل فيهم، وأقوال النبهاء أبداً مشهورة في الناس يحتج بها، فمن هنا صح أن تقول الجماعة قول نبيها، وقرأ عاصم والكسائي " عزير ابن الله " بتنوين عزير، والمعنى أن ابناً على هذا خبر ابتداء عن عزير، وهذا هو أصح المذاهب لأن هذا هو المعنى المنعيّ عليهم، و { عزير } ونحوه ينصرف عجمياً كان أو عربياً، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " عزير ابن الله " دون تنوين عزير، فقال بعضهم " ابن " خبر عن " عزير " وإنما حذف التنوين من عزير لاجتماع الساكنين ونحوه قراءة من قرأأحد الله الصمد } [الإخلاص:1-2] قال أبو علي وهو كثير في الشعر، وأنشد الطبري في ذلك [ الرجز]

لَتَجِدَنِّي بالأمير برّا   وبالقناةِ مدْعساً مكرا
إذا عطيف السلمي برا   
قال القاضي أبو محمد: فالألف على هذه القراءة والتأويل ثابتة في " ابن " وقال بعضهم " ابن " صفة لـ " عزير " كما تقول زيد بن عمرو وجعلت الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد وحذف التنوين إذا جاء الساكنان كأنهما التقيا من كلمة واحدة " ، والمعنى عزير ابن الله معبودنا وإلهنا أو المعنى معبودنا أو إلهنا عزير ابن الله.

قال القاضي أبو محمد: وقياس هذه القراءة والتأويل أن يحذف الألف من " ابن " لكنها تثبت في خط المصحف، فيترجح من هذا كله أن قراءة التنوين في " عزير " أقواها، وحكى الطبري وغيره أن بني إسرائيل أصابتهم فتن وبلاء وقيل مرض وأذهب الله عنهم التوراة في ذلك ونسوها، وكان علماؤهم قد دفنوها أول ما أحسوا بذلك البلاء، فلما طالت المدة فقدت التوراة جملة فحفظها الله عزيراً كرامة منه له، فقال لبني إسرائيل إن الله قد حفظني التوراة فجعلوا يدرسونها من عنده، ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي مساوية لما كان عزير يدرس، فضلوا عند ذلك وقالوا إن هذا لن يتهيأ لعزير إلا وهو ابن الله، وظاهر قول النصارى { المسيح ابن الله } أنها بنوة النسل كما قالت العرب في الملائكة وكذلك يقتضي قول الضحاك والطبري وغيرهما، وهذا أشنع في الكفر، قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وأنه ابن الإله.

السابقالتالي
2 3