الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما: صفة المشرك بالنجس إنما كانت لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل، وقال ابن عباس وغيره: بل معنى الشرك هو الذي كنجاسة الخمر، قال الحسن البصري: من صافح مشركاً فليتوضأ.

قال القاضي أبو محمد: فمن قال بسبب الجنابة أوجب الغسل على من يسلم من المشركين، ومن قال بالقول الآخر لم يوجب الغسل، والمذهب كله على القول بإيجاب الغسل إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: ليس بواجب، وقرا أبو حيوة " نِجْس " بكسر النون وسكون الجيم، ونص الله تعالى في هذه الآية على المشركين وعلى المسجد الحرام، فقاس مالك رحمه الله غيره جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد وكذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية، ويؤيد ذلك قوله تعالى:في بيوت أذن الله أن ترفع } [النور:36]، وقال الشافعي هي عامة في الكفار خاصة في المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد، ومن حجته حديث ربط ثمامة بن أثال، وقال أبو حنيفة هي خاصة في عبدة الأوثان وفي المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى في المسجد الحرام وغيره، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد، وقال عطاء: وصف المسجد بالحرام ومنع القرب يقتضي منعهم من جميع الحرم.

قال القاضي أبو محمد: وقوة قوله { فلا يقربوا } يقتضي أمر المسلمين بمنعهم، وقال جابر بن عبد الله وقتادة: لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبداً لمسلم، وعبدة الأوثان مشركون بإجماع، واختلف في أهل الكتاب، فمذهب عبد الله بن عمر وغيره أنهم مشركون، وقال جمهور أهل العلم ليسوا بمشركين، وفائدة هذا الخلاف تتبين في فقه مناكحهم وذبائحهم وغير ذلك، وقوله { بعد عامهم هذا } يريد بعد عام تسع من الهجر وهو عام حج أبو بكر بالناس وأذن علي بسورة براءة، وأما قوله { وإن خفتم عيلة } قال عمرو بن فائد: المعنى وإذ خفتم.

قال القاضي أبو محمد: وهذه عجمة والمعنى بارع بإن، وكان المسلمون لما منع المشركون من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في نفوسهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش؟ فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله، قال الضحاك: ففتح عليهم باب أخذ الجزية من أهل الذمة، بقولهقاتلوا الذين لا يؤمنون } [التوبة:29] إلى قولهوهم صاغرون } [التوبة:29]، وقال عكرمة: أغناهم بإدرار المطر عليهم.

قال القاضي أبو محمد: وأسلمت العرب فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم، و " العيلة " الفقر، يقال: عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، قال الشاعر: [أحيحة]

وما يدري الفقير متى غناه   وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود، " عايلة " وهو مصدر كالقايلة من قال يقيل، وكالعاقبة والعافية، ويحتمل أن تكون نعتاً لمحذوف تقديره حالاً عائلة، وحكى الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر.