الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذه مخاطبة لجميع المؤمنين يعد الله نعمه عليهم، و { مواطن } جمع موطِن بكسر الطاء، والموطِن موضع الإقامة أو الحلول لأنه أول الإقامة،و " المواطن " المشار إليها بدر والخندق والنضير وقريظة، ولم يصرف { مواطن } لأنه جمع ونهاية جمع، { ويوم } عطف على موضع قوله { في مواطن } أو على لفظة بتقدير وفي يوم، فانحذف حرف الخفض،و { حنين } واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز وصرف حين أريد به الموضع والمكان، ولو أريد به البقعة لم يصرف كما قال الشاعر [حسان رضي الله عنه]: [الكامل ]

نصروا نبيَّهم وشدُّوا أزْرَه   بحنينَ يومَ تَوَاكلِ الأبطالِ
وقوله { إذ أعجبتكم كثرتكم } روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين رأى حملته اثني عشر ألفاً قال: " لن نغلب اليوم من قلة " ، وروي أن رجلاً من أصحابه قالها فأراد الله إظهار العجز فظهر حين فر الناس، ثم عطف القدر بنصره، وقوله { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت } أي بقدر ما هي رحبة واسعة لشدة الحال وصعوبتها، فـ " ما " مصدرية، وقوله { ثم وليتم مدبرين } يريد فرار الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو محمد: واختصار هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فتح مكة وكان في عشرة آلاف من أصحابه وانضاف إليه ألفان من الطلقاء فصار في اثني عشر ألفاً سمع بذلك كفار العرب فشق عليهم فجمعت له هوازن وألفافها وعليهم مالك بن عوف النصري وثقيف وعليهم عبد ياليل بن عمرو وانضاف إليهم أخلاط من الناس حتى كانوا ثلاثين ألفاً فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعوا بحنين، فلما تصافَّ الناس حمل المشركون من مجاني الوادي، فانهزم المسلمون، قال قتادة: ويقال إن الطلقاء من أهل مكة فروا وقصدوا إلقاء الهزيمة في المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء، وقال أبو عبد الرحمن الفهري:كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، يومئذ وكان على فرس قد اكتنفه العباس عمه وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وبين يديه أيمن بن أم أيمن، وثم قتل رحمه الله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الحال نزل عن بغلته إلى الأرض، قاله البراء بن عازب، واستنصر الله عز وجل فأخذ قبضة من تراب وحصى فرمى بها وجوه الكفار، وقال: شاهت الوجوه، وقال عبد الرحمن: تطاول من فرسه فأخذ قبضة التراب ونزلت الملائكة لنصره ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا للأنصار، وأمر رسول الله عليه وسلم العباس أن ينادي أين أصحاب الشجرة أين أصحاب سورة البقرة، فرجع الناس عنقاً واحداً وانهزم المشركون، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم قالوا لم يبق منا أحد إلا دخل في عينيه من ذلك التراب، واستيعاب هذه القصة في كتاب السير.

السابقالتالي
2