لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة وأوضحه، فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس، وحكم أن أهل هذه الخصال { أعظم درجة عند الله } من جميع الخلق، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه، والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبته أو نجاة من مهلكة، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء " دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ". قال القاضي أبو محمد: لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وهم ردوا الناس إلى الشرع، وقوله تعالى: { يبشرهم ربهم } الآية، هذه آية وعد، وقراءة الناس " يُبَشِّرهم " بضم الياء وكسر الشين المشددة، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف وحميد بن هلال " يَبْشُرهم " بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين خفيفة، وأسند الطبري إلى جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل أعطيتكم أفضل من هذا، فيقولون ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ قال: رضواني " ، وفي البخاري في كتاب السنة منه " فلا أسخط عليكم أبداً " ، وقرأ الجمهور " ورِضوان " بكسر الراء، وقرأ عاصم وعمرو " ورُضوان " بضم الراء وقرأ الأعمش بضم الراء والضاد جميعاً، قال أبو حاتم لا يجوز هذا وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم } الآية، ظاهر هذه المخاطبة أنها لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة، وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فالمخاطبة على هذا هي للمؤمنين الذين كانوا في مكة وغيرها من بلاد العرب خوطبوا بأن لا يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعاً في سكنى بلاد الكفر، ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء و " إخوان " هذه الآية جمع أخ النسب، وكذلك هو في قوله تعالى:{ أو بيوت إخوانكم } [النور:61] وقرأ عيسى بن عمر " أن استحبوا " بفتح الألف من " أن " وقرأ الجمهور " إن بكسر الألف على الشرط، و { استحبوا } متضمنة معنى فضلوا وآثروا ولذلك تعدت بـ " على " ثم حكم الله عز وجل بأن من والاهم واتبعهم في أغراضهم فإنه ظالم أي واضع للشيء غير موضعه، وهذا ظلم المعصية لا ظلم الكفر.