الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنه اشترى منهم أنفسهم، وارتفعت هذه الصفات لما جاءت مقطوعة في ابتداء آية على معنى: " هم التائبون " ، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى رتبة والآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات التي هي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها وقالت فرقة: بل هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط، والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنين الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله، وأسند الطبري في ذلك عن الضحاك بن مزاحم أن رجلاً سأله عن قول الله عز وجل:إن الله اشترى } [ التوبة: 11] وقال الرجل ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل، فقال الضحاك: ويلك أين الشرط { التائبون العابدون } الآية، وهذا القول تحريج وتضييق والله أعلم، والأول أصوب، والشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد، وقد روي أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ختم الله لنا بالحسنى، وقالت فرقة: إن رفع " التائبين " إنما هو على الابتداء وما بعده صفة، ألا قوله { الآمرون } فإنه خبر الابتداء كأنه قال " هم الآمرون " وهذا حسن إلا أن معنى الآية ينفصل من معنى التي قبلها وذلك قلق فتأمله، وفي مصحف عبد الله بن مسعود " التائبين العابدين " إلى آخرها، ولذلك وجهان أحدهما: الصفة للمؤمنين على اتباع اللفظ والآخر النصب على المدح، و { التائبون } لفظ يعم الرجوع من الشر إلى الخير كان ذلك من كفر أو معصية والرجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها، وإن لم تكن الأولى شراً بل خيراً، وهكذا توبة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره سبعين مرة في اليوم، والتائب هو المقلع عن الذنب العازم على التمادي على الإقلاع النادم على ما سلف، والتائب عن ذنب يسمى تائباً وإن قام على غيره إلا أن يكون من نوعه فليس بتائب والتوبة ونقضها دائباً خير من الإصرار، ومن تاب ثم نقض ووافى على النقض فإن ذنوبه الأولى تبقى عليه لأن توبته منها علم الله أنها منقوضة، ويحتمل الأمر غير ذلك والله أعلم.

وقال الحسن في تفسير الآية: { التائبون } معناه من الشرك، و { العابدون } لفظ يعم القيام بعبادة الله والتزام شرعه وملازمة ذلك والمثابرة عليه والدوام، والعابد هو المحسن الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله،

السابقالتالي
2 3 4