الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت { لا تقم فيه أبداً } كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وهذا النهي إنما هو لأن البانين لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بنينا مسجداً للضرورات والسيل الحائل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية { لا تقم فيه أبداً } وقوله: { لمسجد } قيل إن اللام لام قسم، وقيل هي لام الابتداء كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلاً ، وهي مقتضية تأكيداً، وقال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين: المراد " بالمسجد الذي أسس على التقوى " هو مسجد قباء.

وروي عن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ويليق القول الأول بالقصة، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نظر مع الحديث، وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري: هو مسجد الرسول وقال الآخر: هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: هو مسجدي هذا، وفي الآخر خير كثير إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد.

قال القاضي أبو محمد: ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، الأولى بالسميط وهي لبنة أمام لبنة، والثانية بالصعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان، وكان في طوله سبعون ذراعاً وكان عمده النخل وكان عريشاً يكف في المطر، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال: لا بل يكون عريشاً كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجراً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع أبو بكر حجراً، ثم وضع عمر حجراً، ثم وضع عثمان حجراً، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله، قوله: { من أول يوم } قيل معناه منذ أول يوم، وقيل معناه من تأسيس أول يوم، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن " من " لا تجر بها الأزمان، وإنما تجر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم، فإذا وقعت " من " من الكلام وهي تلي زمناً فيقدر مضمر يليق أن تجره " من " كقول الشاعر: [زهير بن أبي سلمى ]


السابقالتالي
2 3 4