الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } * { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } * { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } * { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } * { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } * { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ }

أقسم الله تعالى بـ { السماء } المعروفة في قول جمهور المتأولين، وقال قوم: { السماء } هنا، المطر، والعرب تسميه سماء، لما كان من السماء، وتسمي السحاب سماء، ومن ذلك قول الشاعر [جرير]: [الوافر]

إذا نزل السماء بأرض قوم   رعيناه وإن كانوا غضابا
وقول النابغة: [الكامل]

كالأقحوان غداة غب سمائه   
{ والطارق } الذي يأتي ليلاً، وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً، ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً، ومنه طروق الخيال، وقال الشاعر: [البسيط]

يا نائم الليل مغتراً بأوله   إن الحوادث قد تطرقن أسحاراً
ثم بين الله تعالى الجنس المذكور بأنه { النجم الثاقب } ، وقيل بل معنى الآية: { والسماء } وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات، ثم ذكر تعالى بعد ذلك على جهة التنبيه أجل الطارقات قدراً وهو { النجم الثاقب } ، فكأنه قال: { وما أدراك ما الطارق } ، وحق الطارق، واختلف المتأولون في { النجم الثاقب } ، فقال الحسن بن أبي الحسن ما معناه: إنه اسم للجنس، لأنها كلها ثاقبة، أي ظاهرة الضوء، يقال ثقب النجم إذا أضاء، وثقبت النار، كذلك، وثقبت الرائحة إذا سطعت، ويقال للموقد اثقب نارك، أي اضئها، وقال ابن زيد: أراد نجماً مخصوصاً: وهو زحل، ووصفه بالثقوب، لأنه مبرز على الكواكب في ذلك، وقال ابن عباس: أراد الجدي، وقال بعض هؤلاء يقال: ثقب النجم، إذا ارتفع فإنما وصف زحلاً بالثقوب لأنه أرفع الكواكب مكاناً. وقال ابن زيد وغيره: { النجم الثاقب }: الثريا، وهو الذي يطلق عليه اسم النجم معرفاً، وجواب القسم في قوله: { إن كل نفس } الآية، وقرأ جمهور الناس: " لما " مخففة الميم، قال الحذاق من النحويين وهم البصريون: مخففة من الثقيلة، واللام: لام التأكيد الداخلة على الخبر، وقال الكوفيون: { إن } ، بمعنى: ما النافية، واللام بمعنى: إلا، فالتقدير ما كان نفس إلا { عليها حافظ } ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن والأعرج وأبو عمرو ونافع بخلاف عنهما وقتادة: " لمّا " بتشديد الميم، وقال أبو الحسن الأخفش: " لمّا " بمعنى: إلا، لغة مشهورة في هذيل وغيرهم، يقال: أقسمت عليك لمّا فعلت كذا، أي إلا فعلت كذا، ومعنى هذه الآية فيما قال قتادة وابن سيرين وغيرهما: إن كل نفس مكلفة فعليها حافظ يحصي أعمالها ويعدها للجزاء عليها، وبهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزاجر، وقال الفراء، المعنى: { عليها حافظ } يحفظها حتى يسلمها إلى القدر، وهذا قول فاسد المعنى لأن مدة الحفظ إنما هي بقدر، وقال أبو أمامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية " إن لكل نفس حفظة من الله تعالى يذبون عنها كما يذب عن العسل، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الطير والشياطين، "

السابقالتالي
2 3