الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } * { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } * { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } * { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } * { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } * { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } * { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } * { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } * { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } * { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } * { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً }

هذه أوصاف يوم القيامة، و " انشقاق السماء ": هو تفطيرها لهول يوم القيامة، كما قال:وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } [الحاقة:16]، وقال الفراء والزجاج وغيره: هو تشققها بالغمام، وقال قوم: تشققها تفتيحها أبواباً لنزول الملائكة وصعودهم في هول يوم القيامة، وقرأ أبو عمرو: " انشقت " يقف على التاء كأنه يشمها شيئاً من الجر، وكذلك في أخواتها، قال أبو حاتم: سمعت إعراباً فصيحاً في بلاد قيس بكسر هذه التاءات، وهي لغة، { وأذنت } معناه: استمتعت، وسمعت، أي أمره ونهيه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن " ،ومنه قول الشاعر [قعنب بن أم صاحب]: [البسيط]

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به   وإن ذُكِرْتُ بشرٍّ عندهم أذنوا
وقوله تعالى: { وحقت } ، قال ابن عباس وابن جبير معناه: وحق لها أن تسمع وتطيع، ويحتمل أن يريد: وحق لها أن تنشق لشدة الهول وخوف الله تعالى، و " مد الأرض ": هو إزالة جبالها حتى لا يبقى فيها عوج ولا أمت فذلك مدها، وفي الحديث: " إن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة مد الأديم العكاظي " { وألقت ما فيها }: يريد الموتى قاله الجمهور، وقال الزجاج: ومن الكنوز، وهذا ضعيف لأن ذلك يكون وقت خروج الدجال، وإنما تلقي يوم القيامة الموتى، { وتخلت } معناه: خلت عما كان فيها أي لم تتمسك منهم بشيء، وقوله تعالى: { يا أيها الإنسان } مخاطبة للجنس، و " الكادح ": العامل بشدة وسرعة واجتهاد مؤثر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سأل وله ما يغنيه حاءت مسألته خدوشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة " والمعنى أنك عامل خيراً أو شراً وأنت لا محالة في ذلك سائر إلى ربك، لأن الزمن يطير بعمر الإنسان، فإنما هو مدة عمره في سير حثيث إلى ربه، وهذه آية وعظ وتذكير، أي فكر على حذر من هذه الحال واعمل عملاً صالحاً تجده، وقرأ طلحة: بإدغام كاف كادح ومن هذه اللفظة قول الشاعر: [الوافر]

وما الإنسان إلا ذو اغترار   طوال الدهر يكدح في سفال
وقال قتادة: من استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، وقوله تعالى: { فملاقيه } معناه: فملاقي عذابه أو تنعيمه، واختلف النحاة في العامل: في { إذا } ، فقال بعض النحاة العامل: { انشقت } وأبى ذلك كثير من أئمتهم، لأن { إذا }: مضافة إلى { انشقت } ومن يجز ذلك تضعف عنده الإضافة، ويقوى معنى الجزاء، وقال آخرون منهم: العامل { فملاقيه } ، وقال بعض حذاقهم: العامل فعل مضمر، وكذلك اختلفوا في جواب { إذا } ، فقال كثير من النحاة: هو محذوف لعلم السامع به، وقال أبو العباس المبرد والأخفش: هو في قوله: { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه } ،إذا انشقت السماء، انشقت فأنت ملاقي الله، وقيل التقدير فيا أيها الإنسان، وجواب { إذا } في الفاء المقدرة، وقال الفراء عن بعض النحاة: هو { أذنت } على زيادة تقدير الواو، وأما الضمير { فملاقيه } ، فقال جمهور المتأولين هو عائد على الرب، فالفاء على هذا عاطفة ملاق على كادح، وقال بعض الناس: هو عائد على الكدح، فالفاء على هذا عاطفة جملة على التي قبلها، والتقدير فأنت ملاقيه، والمعنى ملاقي جزائه خيراً كان أو شراً، ثم قسم تعالى الناس إلى: المؤمن والكافر، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار، وهذه الآية ترد على هذا القول، و " الحساب اليسير ": هو العرض: وأما من نوقش الحساب، فإنه يهلك ويعذب، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3