الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ }

لما ذكر تعالى أمركتاب الفجار } [المطففين:7]، عقب بذكر كتاب ضدهم ليبين الفرق، و { الأبرار } جمع بر، وقرأ ابن عامر: " الأبرار " بكسر الراء، وقرأ نافع وابن كثير بفتحها، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بإمالتها، و { عليون } قيل هو جمع على وزن فعل بناء مبالغة يريد بذلك الملائكة، فلذلك أعرب بالواو والنون، وقيل يريد المواضع العلية لأنه علو فوق علو، فلما كان هذا الاسم على هذا الوزن لا واحد له أشبه عشرين فأعرب بإعراب الجموع إذا أشبهها، وهذا أيضاً كقنسرين فإنك تقول طابت قنسرين ودخلت قنسرين، واختلف الناس في الموضع المعروف، بـ { عليين } ما هو؟ فقال قتادة: قائمة العرش اليمنى، وقال ابن عباس: السماء السابعة تحت العرش، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الضحاك: هو عند سدرة المنتهى، وقال ابن عباس: { عليون }: الجنة، وقال مكي: هو في السماء الرابعة، وقال الفراء عن بعض العلماء: في السماء الدنيا، والمعنى أن كتابهم الذي فيه أعمالهم هنالك تهمماً بها وترفيعاً لها، وأعمال الفجار في سجين في أسفل سافلين، لأنه روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس: أن أعمالهم يصعد بها إلى السماء فتأباها، ثم ترد إلى الأرض فتأباها أرض بعد أرض حتى تستقر في سجن تحت الأرض السابعة، و { كتاب مرقوم } في هذه الآية خبر { إن } والظرف ملغى، و { المقربون } في هذه الآية: الملائكة المقربون عند الله تعالى أهل كل سماء، قاله ابن عباس وغيره، و { الأرائك }: جمع أريكة وهي السرر في الحجال، و { ينظرون } معناه إلى ما عندهم من النعيم، ويحتمل أن يريد ينظر بعضهم إلى بعض، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ينظرون إلى أعدائهم في النار كيف يعذبون " ،وقرأ جمهور الناس " تَعرِف " على مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم بفتح التاء وكسر الراء " نضرةَ " نصباً، وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة ويعقوب: " تُعرَف " بضم التاء وفتح الراء، " نضرةُ " رفعاً، وقرأ " يعرف " بالياء، لأن تأنيث النضرة ليس بحقيقي والنضرة النعمة والرونق و " الرحيق ": الخمر الصافية، ومنه قول حسان: [الكامل]

يسقون من ورد البريص عليهم   بردى يصفق بالرحيق السلسل
و { مختوم } ، يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بها تهمماً وتنظيفاً، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكية حسبما فسر قوله تعالى: { ختامه مسك } ، واختلف المتأولون في قوله: { ختامه مسك } فقال علقمة وابن مسعود معناه: خلطه ومزاجه، فقال ابن عباس والحسن وابن جبير معناه: خاتمته أن يجد الرائحة عند خاتمته. الشرب رائحة المسك، وقال أبو علي: المراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم، وكذلك قوله:

السابقالتالي
2