الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } * { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } * { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

هذه كلها أوصاف يوم القيامة، و " تكوير الشمس ": هو أن تدار ويذهب بها إلى حيث شاء الله كما يدار كور العمامة، وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات، فمنهم من قال: ذهب نورها قاله قتادة، ومنهم من قال: رمي بها، قاله الربيع بن خيثم وغير ذلك مما هو أشياء توابع لتكويرها، و " انكدار النجوم ": هو انقضاضها وهبوطها من مواضعها، ومنه قول الراجز [العجاج]: [الرجز]

أبصر خربان فلاة فانكدرْ   تقضّي البازي إذا البازي كسرْ
وقال ابن عباس: { انكدرت }: تغيرت، من قولهم: ماء كدر، أي متغير اللون، وتسيير الجبال هو قبل نسفها، وإنما ذلك في صدر هول القيامة، و: { العشار } جمع عشراء وهي الناقة التي قد مر لحملها عشرة أشهر، وهي أنفس ما عند العرب وتهممهم بها عظيم للرغبة في نسلها، فإنها تعطل عند أشد الأهوال، وقرأ مضر عن اليزيدي: " عطِلت " بتخفيف الطاء، و " حشر الوحوش ": جمعها، واختلف الناس في هذا الجمع ما هو؟ فقال ابن عباس: { حشرت } بالموت لا تبعث في القيامة ولا يحضر في القيامة غير الثقلين، وقال قتادة وجماعة: { حشرت } للجمع يوم القيامة، ويقتص للجماء من القرناء فجعلوا ألفاظ هذا الحديث حقيقة لا مجازاً مثالاً في العدل. وقال أبيّ بن كعب: { حشرت } في الدنيا في أول هول يوم القيامة فإنها تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تأنيساً بهم، وقرأ الحسن: " حشّرت " بشد الشين على المبالغة، و " تسجير البحار " ، قال قتادة والضحاك معناه: فرغت من مائها وذهب حيث شاء الله وقال الحسن: يبست، وقال الربيع بن خيثم معناه: ملئت، وفاضت وفجرت من أعاليها، وقال أبي بن كعب وابن عباس وسفيان ووهب وابن زيد: معناه: أضرمت ناراً كما يسجر التنور، وقال ابن عباس: جهنم في البحر الأخضر، ويحتمل أن يكون المعنى ملكت، وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض بسبب الهول فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب، وقيل: هذه مجاز في جهنم، تسجر يوم القيامة وقد تقدم نظير هذه الأقوال منصوصة لأهل العلم في تفسير قوله تعالى:والبحر المسجور } [الطور: 6] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " سجِرت " بتخفيف الجيم، وقرأ الباقون: بشدها، وهي مترجحة بكون البحار جميعاً كما قال:كتاباً يلقاه منشوراً } [الإسراء: 13]، وكما قال:صحفاً منشرة } [المدثر: 52]، ومثلهقصر مشيد } [الحج: 45] وبروج مشيدة } [النساء: 78]، لأنها جماعة، وذهب قوم من الملحدين إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند موته، والشمس نفسه والنجوم عيناه وحواسه، والعشار ساقاه، وهذا قول سوء وخيم غث ذاهب إلى إثبات الرموز في كتاب الله تعالى، و " تزويج النفوس ": هو تنويعها، لأن الأزواج هي الأنواع والمعنى: جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله، رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس، وقال: هذا نظير قوله تعالى:

السابقالتالي
2