الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله تعالى: { من أي شيء خلقه } استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض، وهذا نظير قوله:لأي يوم أجلت ليوم الفصل } [المرسلات:13] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة، وقرأ جمهور الناس: " فقدّره " بشد الدال، وقرأ بعض القراء: " فقدَره " بتخفيفها، والمعنى جعله بقدر واحد معلوم من الأعضاء والخلق والأجل وغير ذلك من أنحائه حسب إرادته تعالى في إنسان إنسان، واختلف المتأولون في معنى قوله: { ثم السبيل يسره } فقال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي: هي سبيل الخروج من بطن المرأة ورحمها، وقال الحسن ما معناه: إن { السبيل } هي سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسره له هو هبة العقل، وقال مجاهد: أراد { السبيل } عامة اسم الجنس في هدى وضلال أي يسر قوماً لهذا كقوله تعالى:إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً } [الإنسان:3]، وقوله تعالى:وهديناه النجدين } [البلد:10] وقوله تعالى: { فأقبره } معناه أمر أن يجعل له قبر، وفي ذلك تكريم لئلا يطرح كسائر الحيوان، والقابر هو الذي يتناول جعل الميت في قبره، والمقبر الذي يأمر بقبر الميت، ويقرره، و { أنشره } معناه: أحياه، يقال: نشر الميت وأنشره الله، وقوله: { إذا شاء } يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة، وقرأ بعض القراء: { شاء أنشره } بتحقيق الهمزتين، وقرأ جمهور الناس: { شاء أنشره } بمدة وتسهيل الهمزة الأولى، وقرأ شعيب بن أبي حمزة: " شاء نشره " ، وقرأ الأعمش: " شاء انشره " بهمزة واحدة، وقوله تعالى: { كلا لما يقض ما أمره } رد لما عسى أن للكفار من الاعتراضات في هذه الأقوال المسرودة ونفي مؤكد لطاعة الإنسان لربه وإثبات أنه ترك حق الله تعالى، ولم يقض ما أمره، قال مجاهد: لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه، ثم أمر تعالى الإنسان بالعبرة والنظر إلى طعامه والدليل فيه، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيره إلى أن المراد { إلى طعامه } إذا صار رجيعاً ليتأمل حيث تصير عاقبة الدنيا، وعلى أي شيء يتفانى أهلها وتستدير رحاها، وهذا نظير ما روي عن ابن عمر: أن الأنسان إذا أحدث فإن ملكاً يأخذ بناصيته عند فراغه فيرد بصره إلى نحوه موقفاً له ومعجباً فينفع ذلك من له عقل، وذهب الجمهور إلى أن معنى الآية: فلينظر إلى مطعوماته وكيف يسرها الله تعالى له بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض، ويروى أن رجلاً أضافه عابد فقدم إليه رغيفاً قفاراً فكأن الرجل استخشنه فقال له: كله فإن الله تعالى لم ينعم به وكمله حتى سخر فيه ثلاثمائة وستين عاملاً الماء والريح والشمس ثلاثة من ذلك، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: " أنّا صببنا " بفتح الألف على البدل وهي قراءة الأعرج وابن وثاب والأعمش، ورد على هذا الإعراب قوم بأن الثاني ليس الأول وليس كما ردوا لأن المعنى: { فلينظر الإنسان } إلى إنعامنا في طعامه فترتب البدل وصح، " وأنا " في موضع خفض، وقرأ الجمهور: " إنا " بكسر الألف على استئناف تفسير الطعام، وقرأ بعض القراء: " أنى " بمعنى كيف ذكرها أبو حاتم، و " صب الماء ": هو المطر، و " شق الأرض ": هو بالنبات، و " الحب ": جمع حَبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه كالقمح والشعير ونحوه، والحِبة بكسر الحاء كل ما ينبت من البزور ولا يحفل به ولا هو بمتخذ، و " القضب " قال بعض اللغويين: هي الفصافص، وهذا عندي ضعيف، لأن الفصافص هي للبهائم فهي دخل في الأبّ، وقال أبو عبيدة: " القضب " الرطبة، قال ثعلب: لأنه يقضب كل يوم.

السابقالتالي
2