الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } * { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } * { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } * { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ }

" العبوس ": تقطب الوجه واربداده عند كراهية أمر، وفي مخاطبته بلفظ ذكر الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض، وقال كثير من العلماء وابن زيد وعائشة وغيرها من الصحابة: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لكتم هذه الآيات، وآيات قصة زيد وزينب بنت جحش، " والتولي ": هنا الإعراض، و { أن }: مفعول من أجله، وقرأ الحسن { أن جاءه } بمدة تقرير وتوقيف والوقف مع هذه القراءة على { تولى } وهي قراءة عيسى. وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا.

ومتى ذكرت هذه الأشياء على جهة التنقيص فتلك الغيبة، " وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة تذكر امرأة، فقالت: إنها القصيرة، فقال لها: لقد قلت كلمة لو مزجت بالبحر لمزجته " ثم خاطب تعالى نبيه فقال: { وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى } أي وما يطلعك على أمره وعقبى حاله، ثم ابتدأ القول: { لعله يزكى } أي تنمو بركته وتطهره لله وينفعه إيمانه، وأصل { يزكى }: يتزكى، فأدغم التاء في الزاي وكذلك { يذكر } ، وقرأ الأعرج. " يذْكُر " بسكون الذال وضم الكاف، ورويت عن عاصم، وقرأ جمهور السبعة: " فتنفعُه " بضم العين على العطف، وقرأ عاصم وحده والأعرج: " فتنفعَه " بالنصب في جواب التمني، لأن قوله { أو يذكر } في حكم قوله: { لعله يزكى } ، ثم أكد تعالى عتب نبيه عليه السلام بقوله: { أما من استغنى } أي بماله، و: { تصدى } معناه: تتعرض بنفسك، وقرأ ابن كثير ونافع: " تصّدى " بشد الصاد على إدغام التاء، وقرأ الباقون والأعرج والحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى والأعمش: " تصَدى " ، بتخفيف الصاد على حذف التاء وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: " تُصَدى " ، بضم التاء وتخفيف الصاد على بناء الفعل للمجهول، أي تصديك حرصك على هؤلاء الكفار أن يسلموا، تقول: تصدى الرجل وصديته، كما تقول: تكسب وكسبته، ثم قال تعالى محتقراً لشأن الكفار: { وما عليك ألا يزكى } وما يضرك ألا يفلح، فهذا حض على الإعراض عن أمرهم، وترك الأكتراث بهم، ثم قال مبالغاً في العتب: { وأما من جاءك يسعى } أي يمشي، وقيل المعنى: { يسعى } في شؤونه وأمر دينه وتقربه منك، { وهو يخشى } الله تعالى، { فأنت عنه تلهى } أي تشتغل، تقول لهيت عن الشيء ألهى إذا اشتغلت وليس من اللهو الذي هو من ذوات الواو، وإما أن المعنى يتداخل، وقرأ الجمهور من القراء: " تَلهى " بفتح التاء على حذف التاء الواحدة، وقرأ ابن كثير فيما روي عنه " تلهى " بالإدغام، وقرأ طلحة بن مصرف: " تتلهى " بتاءين، وروي عنه " تَلْهى " بفتح التاء وسكون اللام وتخفيف الهاء المفتوحة، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: " تُلْهى " بضم التاء وسكون اللام أي يلهيك حرصك على أولئك الكفار، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2