الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

التقدير واذكروا إذ، والضمير في { لهم } عائد على الكفار، و { الشيطان } إبليس نفسه، وحكى المهدوي وغيره أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس.

قال القاضي أبو محمد: ويضعف هذا القول أن قوله { وإني جار لكم } ليس مما يلقى بالوسوسة، وقال الجمهور في ذلك بما روي وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لابن هشام أنه جاءهم بمكة، وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم، فقال لهم " إني جار لكم " ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد، فسروا عند ذلك ومضوا لطيتهم وقال لهم أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصراً.

فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه، ويروى أنه قال له ما تضمنت الآية.

وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين سراقة؟ فلم يلو ومثل عدو الله فذهب ووقعت الهزيمة، فتحدث أن سراقة فر بالناس، فبلغ ذلك سراقة بن مالك، فأتى مكة فقال لهم: والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج، فقال { لا غالب لكم اليوم } الآية، و { اليوم } ظرف، والعمل فيه معنى نفي الغلبة، ويحتمل أن يكون العامل متعلق { لكم } وممتنع أن يعمل { غالب } لأنه كان يلزم أن يكون لا غالباً، وقوله { إني جار لكم } معناه فأنتم في ذمتي وحماي، و { وتراءت } تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر " ترأت " مقصورة، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك، وقوله { نكص على عقيبه } معناه رجع من حيث جاء، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى، وقال زهير:

هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا   لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
كذا أنشد الطبري، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية، وفي ذلك بعد، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي، وقال اللغويون: النكوص، الإحجام عن الشيء، يقال أراد أمراً ثم نكص عنه، وقال تأبَّطَ شرّاً: [البسيط]
ليس النكوصُ على الأدبار مكرمةً   إن المكارم إقدامٌ علىالأسَل

السابقالتالي
2