الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا ".

قال القاضي أبو محمد: وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق، و " الفئة " الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين، قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان إلغاطاً، فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتٌّ في عضد العدو، وقال قيس بن عباد: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث: عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث، " وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال.

قال القاضي أبو محمد: ولهذا والله أعلم يتسنن المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به و { تفلحون } تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم، وهذا مثل قول لبيد: [الرجز]

أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضْـ   ضعف وقد يخدع الأريب
وقوله { وأطيعوا الله ورسوله } الآية استمرار على الوصية لهم والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم، و { تفشلوا } نصب بالفاء في جواب النهي، قال أبو حاتم في كتاب عن إبراهيم " فتفشِلوا " بكسر الشين وهذا غير معروف وقرأ جمهور الناس " وتذهبَ " بالتاء من فوق ونصب الباء، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم " وتذهبْ ريحكم " بالتاء وجزم الباء، وقرأ عيسى بن عمر " ويذهبْ " بالياء من تحت وبجزم يذهب، وقرأ أبو حيوة " ويذهبَ " بالياء من تحت ونصب الباء، ورواها أبان وعصمة عن عاصم، والجمهور على أن الريح هنا مستعارة والمراد بها النصر والقوة كما تقول: الريح لفلان إذا كان غالباً في أمر، ومن هذا المعنى قول الشاعر وهو عبيد بن الأبرص: [البسيط]

كما حميناك يوم العنف من شطبٍ   والفضل للقوم من ريح ومن عدد
وقال مجاهد: " الريح " النصر والقوة، وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد، وقال زيد بن علي { وتذهب ريحكم } معناه الرعب من قلوب عدوكم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فيهزمون، وقال شاعر الأنصار: [البسيط]


السابقالتالي
2