الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

موضع " أن " الثانية رفع، التقدير " فحكمه أن " ، فهي في موضع خبر الابتداء، والغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر [امرؤ القيس]: [الوافر]

وقد طفت في الآفاق حتى   رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر: [البسيط]

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه   أنّى توجَّهَ والمحروم محروم
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن: " له غنمه وعليه حرمه " وقوله: " الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة " فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً له، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا.

قال القاضي أبو محمد: والزكوات أيضاً مال على حدته، أحكامه منفردة دون أحكام هذين، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب: الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحاً، وهذا قريب مما بيناه، وقال قتادة: الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشروما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } [الآية:7] وذلك أن تلك كانت الحكم أولاً، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة والأخماس في المقاتلين.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات، منها أن هذه السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر، وتلك في بني النضير وقرى عرينة، ولأن الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين جلوا وهربوا وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء.

وقال أبو عبيدة: هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورةقل الأنفال لله والرسول } [الأنفال:1] ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية.

قال القاضي أبو محمد: ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري كانت لي شارق من نصيبي من المغنم ببدر وشارق أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس حينئذ أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي عبيدة، ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أمر وغزوة نجران ولم يحفظ فيها قتال ولكن يمكن أن غنمت غنائم والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5