الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }

قال بعض الرواة منهم ابن أبزى وابن جبير والسدي ومجاهد: سبب نزول هذه الآية أن أبا سفيان أنفق في غزوة أحد على الأحابيش وغيرهم أربعين أوقية من الذهب أو نحو هذا، وأن الآية نزلت في ذلك، وقال ابن شهاب ومحمد بن يحيى بن حيان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ إنه لما قتل من قتل ببدر اجتمع أبناؤهم وقرابتهم وقالوا لمن خلص ماله في العير: إن محمداً قد نال منا ما ترون، ولكن أعينونا بهذا المال الذي كان سبب الواقعة، فلعلنا أن ننال منه ثأراً، ففعلوا فنزلت الآية في ذلك.

قال القاضي أبو محمد: وعلى القولين فإنما أنفق المال في غزوة أحد، فأخبر الله تعالى في هذه الآية خبراً لفظه عام في الكفار، والإشارة به إلى مخصوصين أنهم ينفقون أموالهم يقصدون بذلك الصد عن سبيل الله والدفع في صدر الإسلام، ثم أخبر خبراً يخص المشار إليهم أنهم ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، إذ لا تتم لهم إرادة ويذهب المال باطلاً، والحسرة التلهف على الفائت، ويحتمل أن تكون الحسرة في يوم القيامة، والأول أظهر وإن كانت حسرة القيامة راتبة عليهم، ثم أخبر أنه يغلبون بعد ذلك، بأن تكون الدائرة عليهم، وهذا من إخبار القرآن بالغيوب لأنه أخبر بما يكون قبل أن يكون، فكان كما أخبر، قال ابن سلام: بين الله عز وجل أنهم يغلبون قبل أن يقاتلوا بسنة، حكاه الزهراوي، ثم أخبر تعالى عن الكافرين أنهم يجمعون إلى جهنم، والحشر جمع الناس والبهائم إلى غير ذلك مما يجمع ويحضر،ومنه قولهوحشرنا عليهم كل شيء قبلاً } [الأنعام:111] ومنه في التفسير: أن السلوى طائر كانت الجنوب تحشره على بني إسرائيل، والقوم الذين جلبهم أبو سفيان وأنفق المال عليهم هم الأحابيش من كنانة، ولهم يقول كعب بن مالك: [الطويل]

وَجِئْنا إلى موجٍ من البحر وسطه   أحابيشُ منهم حاسرٌ ومقنعُ
ثلاثة آلاف ونحن قصية   ثلاثُ مئين إن كثرن وأربعُ
وقال الضحاك وغيره: إن هذه الآية نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر الذين كانوا يذبحون يوماً عشراً ويوماً تسعاً من الإبل، وحكى نحو هذا النقاش.