الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

اختلف الناس في { الروح } المذكورة في هذا الموضع، فقال الشعبي والضحاك: هو جبريل عليه السلام ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفاً، وقال ابن مسعود: هو ملك كريم أكبر الملائكة خلقة يسمى بـ { الروح } ، وقال ابن زيد: كان أبي يقول هو القرآن، وقد قال الله تعالى:أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [الشورى: 52] أي من أمرنا.

قال القاضي أبو محمد: فالقيام فيه مستعار يراد ظهوره مثول آثاره، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه ومع هذا ففي القول قلق، وقال مجاهد: { الروح } خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الروح خلق غير الملائكة لهم حفظة للملائكة كما الملائكة حفظة لنا " ،وقال ابن عباس والحسن وقتادة: { الروح } هنا اسم جنس: يراد به أرواح بني آدم والمعنى يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة، ويكون الجميع من الإنس والملائكة { صفاً } ولا يتكلم أحد هيبة وفزعاً { إلا من أذن له الرحمن } من ملك أو نبي وكان أهلاً أن يقول { صواباً } في ذلك الموطن، وقال ابن عباس: الضمير في { يتكلمون } عائد على الناس خاصة و " الصواب " المشار إليه لا إله إلا الله، قال عكرمة أي قالها في الدنيا. وقوله تعالى: { ذلك اليوم الحق } أي الحق كونه ووجوده، وفي قوله: { فمن شاء اتخذ إلى ربه } مكاناً وعد ووعيد وتحريض، و " المآب " المرجع وموضع الأوبة، والضمير الذي هو الكاف والميم في { أنذركم } هو لجميع العالم وإن كانت المخاطبة لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار، و " العذاب القريب ": عذاب الآخرة، ووصفه بالقرب لتحقق وقوعه وأنه آت وكل آت قريب الجمع داخل في النذارة منه، ونظر المرء إلى { ما قدمت يداه } من عمل قيام الحجة عليه، وقال ابن عباس { المرء } هنا المؤمن، وقرأ ابن ابي إسحق: " المُرء " بضم الميم وضعفها أبو حاتم، وقوله تعالى: { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } قيل إن هذا تمنٍّ أن يكون شيئاً حقيراً لا يحاسب ولا يلتفت إليه، وهذا قد نجده في الخائفين من المؤمنين فقد قال عمر بن الخطاب: ليتني كنت بعرة، وقال أبو هريرة وعبد الله بن عمر: إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها من بعد ذلك: كوني تراباً، فيعود جميعها تراباً، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله، قال أبو القاسم بن حبيب: رأيت في بعض التفاسير أن { الكافر } هنا إبليس إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني آدم من الثواب قال: { يا ليتني كنت تراباً } ، أي كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أولاً.

نجز تفسير سورة { النبأ } والحمد لله حق حمده.