الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } * { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً }

{ يوم الفصل } هو يوم القيامة، لأن الله تعالى يفصل فيه بين المؤمنين والكافرين، وبين الحق والباطل، و " الميقات " مفعال من الوقت، كميعاد من الوعد، وقوله: { يوم ينفخ } بدل من اليوم الأول، و { الصور }: القرن الذي ينفخ فيه لبعث الناس. هذا قول الجمهور، ويحتمل هذا الموضع أن يكون { الصور } فيه جمع صورة أي يوم يرد الله فيه الأرواح إلى الأبدان، هذا قول بعضهم في { الصور } وجوزه أبو حاتم، والأول أشهر وبه تظاهرت الآثار، وهو ظاهر كتاب الله تعالى في قولهثم نفخ فيه أخرى } [الزمر:68] وقرأ أبو عياض " في الصوَر " بفتح الواو، و " الأفواج " الجماعات يتلو بعضها بعضاً، واحدها فوج، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر وشيبة والحسن: " وفتّحت " ، بشد التاء على المبالغة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: " وفتَحت " دون شد، وقوله تعالى: { فكانت أبواباً } قيل معناه: تتفطر وتتشقق حتى يكون فيها فتوح كالأبواب في الجدارات، وقال آخرون فيما حكى مكي بن أبي طالب: الأبواب هنا فلق الخشب التي تجعل أبواباً لفتوح الجدارات أي تتقطع السماء قطعاً صغاراً حتى تكون كألواح الأبواب. والقول الأول أحسن، وقال بعض أهل العلم: تتفتح في السماء أبواب الملائكة من حيث يصعدون وينزلون. وقوله تعالى: { فكانت سراباً } عبارة عن تلاشيها وفنائها بعد كونها هباء منبثاً، ولم يرد أن الجبال تعود تشبه الماء على بعد من الناظر إليها، و { مرصاداً }: موضع الرصد، ومنه قوله تعالى:إن ربك لبالمرصاد } [الفجر:14]، وقد روي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال: " لا يدخل أحد الجنة حتى يجوز على جهنم، فمن كانت عنده أسباب نجاة نجا وإلا هلك ". وقال قتادة: تعلمن أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار، وفي الحديث الصحيح: " إن الصراط جسر ينصب على متن جهنم ثم يجوز عليه الناس فناج ومكردس " ،وقال بعض المتأولين: { مرصاداً } مفعال بمعنى راصد، وقرأ أبو معمر المنقري: " أن جهنم " بفتح الألف والجمهور: على كسرها، و " الطاغون ": الكافرون، و " المآب " المرجع، و " الأحقاب ": جمع حقب بفتح القاف، وحِقب: بكسر الحاء، وحقُب: بضم القاف، وهو جمع حقبة ومنه قول متمم: [الطويل]

وكنا كندماني جذيمة حقبة   من الدهر حتى قيل لن تصدعا
وهي المدة الطويلة من الدهر غير محدودة، ويقال للسنة أيضاً حقبة، وقال بشر بن كعب: حدها على ما ورد في الكتب المنزلة ثلاثمائة سنة، وقال هلال الهجري: ثمانون سنة قالا في كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم من ألف سنة، وقال ابن عباس وابن عمر: الحقب ستون ألف سنة، وقال الحسن: الحقب سبعون ألف سنة, وقيل خمسون ألف سنة, وقال ابو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ثلاثون ألف سنة وكثر الناس في هذا اللازم أن الله تعالى أخبر عن الكفار أنهم يلبثون { أحقاباً } كلما مر حقب جاء غيره إلى ما لا نهاية، قال الحسن: ليس لها عدة إلا الخلود في النار، ومن الناس من ظن لذكر الأحقاب أن مدة العذاب تنحصر وتتم فطلبوا التأويل لذلك، فقال مقاتل بن حيان: الحقب سبعة عشر ألف سنة، وهي منسوخة بقوله تعالى:

السابقالتالي
2