الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } * { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } * { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ }

قال جمهور المتأولين: هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام.

قال القاضي أبو محمد: ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى: { يتمطى } فإنها كانت مشية بني مخزوم، وكان أبو جهل يكثر منها، وقوله تعالى: { فلا صدق ولا صلى } تقديره فلم يصدق ولم يصل، وهذا نحو قول الشاعر [طرفة بن العبد]: [الطويل]

فأي خميس فإنا لا نهابه   وأسيافنا يقطرن من كبشه دما
وقول الآخر [أبي خيراش الهذلي]: [الرجز]

إن تغفر اللهم تغفر جمّا   وأي عبد لك لا ألمَّا
{ فلا } في الآية عاطفة، و { صدق } معناه برسالة الله ودينه، وذهب قوم إلى أنه من الصدقة، والأول أصوب، و { يتمطى } معناه يمشي المطيطى وهي مشية بتبختر قال زيد بن أسلم: كانت مشية بني مخزوم، وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لأنه يتثنى فيها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مشت أمتي المطيطى وخدمتهم الروم وفارس سلط بعضهم على بعض " وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أبي جهل. وقوله تعالى: { أولى لك } وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيداً، والمعنى { أولى لك } الازدجار والانتهاء وهو مأخوذ من ولى، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجراً، ومنه قوله تعالى:فأولى لهم طاعة } [محمد:20]، وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبب أبا جهل يوماً في البطحاء وقال له: " إن الله يقول لك { أولى لك فأولى } " ،فنزل القرآن على نحوها. وفي شعر الخنساء: [المتقارب]

سئمت بنفسي كل الهموم   فأولى لنفسي أولى لها
وقوله تعالى: { أيحسب } توقيف وتوبيخ، و { سدى } معناه مهملاً لا يؤمر ولا ينهى، ثم قرر تعالى على أحوال ابن آدم في بدايته التي إذا تؤملت لم ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل. وقرأ الجمهور: " ألم يك " بالياء من تحت، وقرأ الحسن: " ألم تك " بالتاء من فوق " و " النطفة ": القطعة من الماء. يقال ذلك للقليل والكثير، و " المني " معروف، وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو عمرو بخلاف وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب: " يمنى " بالياء، يراد بذلك المني، ويحتمل أن يكون يمنى من قولك أمنى الرجل، ويحتمل أن يكون من قولك منى الله الخلق، فكأنه قال: من مني تخلق، وقرأ جمهور السبعة والناس. " تمنى " بالتاء، يراد بذلك النطفة، و " تمنى " يحتمل الوجهين اللذين ذكرت، و " العلقة ": القطعة من الدم، لأن الدم هو العلق، وقوله تعالى: { فخلق فسوى } معناه فخلق الله منه بشراً مركباً من أشياء مختلفة فسواه شخصاً مستقلاً، وفي مصحف ابن مسعود ": يخلق " بالياء فعلاً مستقبلاً، و { الزوجين } النوعين، ويحتمل أن يريد المزدوجين من البشر، ثم وقف تعالى توقيف التوبيخ وإقامة الحجة بقوله: { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } وقرأ الجمهور بفتح الياء الأخيرة من " يحييَ " ، وقرأ طلحة بن مصرف وسليمان والفياض بن غزوان بسكونها، هي تنحذف من اللفظ لسكون اللام من { الموتى } ، ويروى

السابقالتالي
2