الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } * { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } * { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ }

الضمير في { به } عائد على كتاب الله تعالى ولم يجر له ذكر، ولكن القرائن تبينه، فهذا كقوله تعالى:توارت بالحجاب } [ص:32]، وكقوله تعالى: { كلا إذا بلغت التراقي } يعني النفس، واختلف المتأولون في السبب الموجب أن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، فقال الشعبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يفضى إليه وحيه. وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. وقال الضحاك. كان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت الآية في ذلك، وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه، فنزلت الآية بسبب ذلك وأعمله الله تعالى أنه يجمعه له في صدره، { وقرآنه } يحتمل أن يريد به وقراءته أي تقرأه أنت يا محمد، والقرآن مصدر كالقراءة ومنه قول الشاعر [حسان بن ثابت] في عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [البسيط]

ضحوا بأشمط عنوان السجود به   يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا
ويحتمل أن يريد { إن علينا جمعه } وتأليفه في صدر صدرك فهو مصدر من قولك قرأت أي جمعت، ومنه قولهم في المرأة التي لم تلد ما قرأت سلا قط، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم]: [الوافر]

ذراعي عيطل أدماء بكر   هجان اللون لم تقرأ جنينا
وقوله تعالى: { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } أي قراءة الملك الرسول عنا. وقوله تعالى: { فاتبع } يحتمل أن يريد بذهنك وفكرك، أي فاستمع قراءته وقاله ابن عباس، ويحتمل أن يريد { فاتبع } في الأوامر والنواهي، قاله ابن عباس أيضاً وقتادة والضحاك, وقرأ أبو العالية: " قرته " ، " فإذا قَرَته فاتبع قَرتَه " بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثالثة، وقوله تعالى: { ثم إن علينا بيانه } ، قال قتادة وجماعة معه: معناه أن نبينه لك ونحفظكه، وقال كثير من المتأولين معناه أن تبينه أنت، وقال قتادة أيضاً وغيره معناه أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره، وقوله تعالى: { كلا بل تحبون العاجلة } رجوع إلى مخاطبة قريش، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله: { كلا } ليس ذلك كما تقولون. وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حباً تتركون معه الآخرة والنظر في امرها. وقرأ الجمهور " تحبون " بالتاء على المخاطبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن ومجاهد والجحدري وقتادة " يحبون " بالياء على ذكر الغائب وكذلك " يذرون " ولما ذكر الآخرة أخبر بشيء من حال أهلها بقوله: { وجوه } رفع بالابتداء وابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بقوله { يومئذ } و { ناضرة } خبر { وجوه } وقوله تعالى: { إلى ربها ناظرة } جملة هي في موضع خبر بعد خبر، وقال بعض النحويين: { ناضرة } نعت لـ { وجوه } ، و { إلى ربها ناظرة } خبر عن { وجوه } ، فعلى هذا كثر تخصص الوجوه فحسن الابتداء بها.

السابقالتالي
2 3