الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } * { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } * { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } * { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }

اختلف القراء في { المدثر } على نحو ما ذكرناه فيالمزمل } [المزمل: 1]، وفي حرف أبيّ بن كعب { المدثر } ومعناه المتدثر بثيابه، و " الدثار " ، ما يتغطى الإنسان به من الثياب، واختلف الناس لم ناداه بـ { المدثر } ، فقال جمهور المفسرين بما ورد في البخاري من أنه لما فرغ من رؤية جبريل على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة فقال: زملوني زملوني نزلت { يا أيها المدثر } ، وقال النخعي وقتادة وعائشة نودي وهو في حال تدثر فدعي بحال من أحواله. وروي أنه كان يدثر في قطيفة. وقال آخرون: معناه أيها النائم. وقال عكرمة معناه { يا أيها المدثر } للنبوة وأثقالها، واختلف الناس في أول ما نزل من كتاب الله تعالى فقال جابر بن عبد الله وأبو سلمة والنخعي ومجاهد هو { يا أيها المدثر } الآيات. وقال الزهري والجمهور هواقرأ باسم ربك الذي خلق } [العلق: 1] وهذا هو الأصح. وحديث صدر كتاب البخاري نص في ذلك. وقوله تعالى: { قم فأنذر } بعثة عامة إلى جميع الخلق. قال قتادة، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم، وقوله تعالى: { وربك فكبر } معناه عظمه بالعبادة وبث شرعه. وروي عن أبي هريرة أن بعض المؤمنين قال: بم نفتتح صلاتنا؟ فنزلت { وربك فكبر }. واختلف المتأولون في معنى قوله { وثيابك فطهر } ، فقال ابن سيرين وابن زيد بن أسلم والشافعي وجماعة: هو أمر بتطهير الثياب حقيقة، وذهب الشافعي وغيره من هذه الآية إلى وجوب غسل النجاسات من الثياب، وقال الجمهور: هذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض، وهذا كما تقول فلان طاهر الثوب، ويقال للفاجر دنس الثوب، ومنه قول الشاعر [غيلان بن سلمة الثقفي]: [الطويل]

وإني بحمد الله لا ثوب فاجر   لبست ولا من خزية أتقنع
وقال الآخر: [الرجز]

لاهـم إن عامـر ابن جهـم   أوذم حجّاً في ثياب دهم
أي دنسه. وقال ابن عباس والضحاك وغيره، المعنى لا تلبسها على غدرة ولا فجور، وقال ابن عباس: المعنى لا تلبسها من مكسب خبيث، وقال النخعي: المعنى طهرها من الذنوب، وهذا كله معنى قريب بعضه من بعض، وقال طاوس: المعنى قصرها وشمرها، فذلك طهرة للثياب. وقرأ جمهور الناس " والرِّجز " بكسر الراء، وقرأ حفص عن عاصم والحسن ومجاهد وأبو جعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن والنخعي وابن وثاب وقتادة وابن أبي إسحاق والأعرج: و " الرُّجز " بضم الراء. فقيل هما بمعنى يراد بهما الأصنام والأوثان، وقيل هما لمعنيين الكسر للنتن والتقابض وفجور الكفار والضم لصنمين: " إساف ونائلة " ، قاله قتادة. وقيل للأصنام عموماً، قاله مجاهد وعكرمة والزهري. وقال ابن عباس { الرجز } السخط، فالمعنى اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه، وقال الحسن: كل معصية رجز، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية بالأوثان.

السابقالتالي
2