الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } * { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } * { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } * { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ }

قوله تعالى: { كذلك يضل الله من يشاء } أي بهذه الصفة وهذا الرّين على القلوب يضل، ثم أخبر تعالى أنه { يهدي من يشاء } من المؤمنين لما ورد بذلك لعلمهم بالقدرة ووقوف عقولهم على كنه سلطان الله تعالى، فهم موقنون متصورون صحة ما أخبرت به الأنبياء وكتب الله تعالى، ثم قال: { وما يعلم جنود ربك إلا هو } إعلاماً بأن الأمر فوق ما يتوهم وأن الخبر إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها، والسماء كلها عامرة بأنواع من الملائكة كلهم في عبادة متصلة وخشوع دائم وطاعة لا فترة في شيء من ذلك ولا دقيقة واحدة. وقوله تعالى: { وما هي إلا ذكرى للبشر } قال مجاهد الضمير في قوله { وما هي } للنار المذكورة، أي يذكرها البشر فيخافونها فيطيعون الله تعالى. وقال بعض الحذاق: قوله تعالى: { ما هي } ، يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة، قال الثعلبي: وقيل { وما هي } ، يراد نار الدنيا، أي إن هذه تذكرة للبشر بنار الآخرة، وقوله عز وجل: { كلا } رد على الكافرين وأنواع الطاغين على الحق، ثم أقسم بـ { القمر } ، تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرة الله تعالى في حركاته المختلفة التي هي مع كثرتها واختلافها علىنظام واحد لا يختل، وكذلك هو القسم بـ { الليل } وبـ { الصبح } ، فيعود التعظيم في آخر الفكرة وتحصيل المعرفة إلى الله تعالى مالك الكل وقوام الوجود ونور السماء والأرض، لا إله إلا هو العزيز القهار. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر عن عاصم: " إذ أدَبَر " بفتح الدال والباء، وهي قراءة ابن عباس وابن المسيب وابن الزبير ومجاهد وعطاء ويحيى بن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة وعمر بن عبد العزيز والحسن وطلحة. وقرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم، " إذا أدْبر " بسكون الدال وبفعل رباعي، وهي قراءة سعيد بن جبير وأبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنهم والأعرج وأبي شيخ وابن محيصن وابن سيرين، قال يونس بن حبيب: " دبر " معناه انقضى و " أدبر " معناه تولى. وفي مصحف ابن مسعود وأبيّ بن كعب " إذ أدَبر " بفتح الدال وألف وبفعل رباعي وهي قراءة الحسن وأبي رزين وأبي رجاء ويحيى بن يعمر. وسأل مجاهد ابن عباس عن دبر الليل فتركه حتى إذا سمع المنادي الأول للصبح قال له: يا مجاهد، هذا حين دبر الليل، وقال قتادة: دبر الليل ولى. قال الشاعر [الأصمعي]: [الكامل]

وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم   بهضاب هامدة كأمس الدابر
والعرب تقول في كلامها كأمس المدبر، قال أبو علي الفارسي: فالقراءتان جميعاً حسنتان و " أسفر الصبح " أضاء وانتشر ضوءه قبل طلوع الشمس بكثير والإسفار رتب أول ووسط وآخر، ومن هذه اللفظة السَّفر، والسفر بفتح السين، والسفير وسفرت المرأة عن وجهها كلها ترجع إلى معنى الظهور والانجلاء، وقرأ عيسى بن الفضيل وابن السميفع: " إذا اسفر " ، فكأن المعنى طرح الظلمة عن وجهه وضعفها أبو حاتم، وقوله تعالى: { إنها لإحدى الكبر } قال قتادة وأبو رزين وغيره: الضمير لجهنم، ويحتمل أن يكون الضمير للنذارة، وأمر الآخرة فهو للحال والقصة، وتكون هذه الآية مثل قوله عز وجل

السابقالتالي
2