الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } * { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } * { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } * { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } * { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

اختلف الناس في تأويل قوله { إلا بلاغاً }: فقال الحسن ما معناه أنه استثناء منقطع، والمعنى لن يجيرني من الله أحد { إلا بلاغاً } ، فإني إن بلغت رحمني بذلك، والإجارة: للبلاغ مستعارة إذ هو سبب إجارة الله تعالى ورحمته، وقال بعض النحاة على هذا المعنى هو استثناء متصل. والمعنى لن أجد ملتحداً { إلا بلاغاً } ، أي شيئاً أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع، فيجبرني الله. وقال قتادة: التقدير لا أملك { إلا بلاغاً } إليكم، فأما الإيمان أو الكفر فلا أملكه. وقال بعض المتأولين { إلا } بتقدير الانفصال، و " إن " شرط و " لا " نافية كأنه يقول: ولن أجد ملتحداً إن لم أبلغ من الله ورسالته، و { من } في قوله { من الله } لابتداء الغاية. وقوله تعالى: { ومن يعص الله } يريد الكفر بدليل الخلود المذكور. وقرأ طلحة وابن مصرف، " فإن له " على معنى فجزاؤه أن له، وقوله { حتى إذا رأوا } ، ساق الفعل في صيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه. وقوله تعالى: { من أضعف } يحتمل أن تكون { مَن } في موضع رفع على الاستفهام والابتداء و { أضعف } خبرها، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بـ { سيعلمون } ، و { أضعف } خبر لابتداء مضمر، ثم أمره تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به، والأمد: المدة والغاية، و { عالم } يحتمل أن يكون بدلاً منربي } [الجن: 20] ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مضمر على القطع، وقرأ السدي: " عالم الغيب " على الفعل الماضي ونصب الباء، وقرأ الحسن: " فلا يَظهَر " بفتح الياء والهاء " أحدٌ " بالرفع. وقوله تعالى: { إلا من ارتضى من رسول } معناه فإنه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير، ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة { رصداً } لإبليس وحزبه من الجن والإنس، وقوله تعالى: { ليعلم } قال قتادة معناه { ليعلم } محمد أن الرسل { قد أبلغوا رسالات ربهم } وحفظوا ومنع منهم. وقال سعيد بن جبير: معناه يعلم محمد أن الملائكة الحفظة، الرصد النازلين بين يديه جبريل وخلفه { قد أبلغوا رسالات ربهم }. وقال مجاهد { ليعلم } من كذب وأشرك أن الرسل قد بلغت.

قال القاضي أبو محمد: وهذا العلم لا يقع لهم إلا في الآخرة، وقيل معناه { ليعلم } الله رسالته مبلغة خارجة إلى الوجود لأن علمه بكل شيء قد تقدم، وقرأ الجمهور: " ليَعلم " بفتح الياء أي الله تعالى. وقرأ ابن عباس: " ليُعلم " بضم الياء، وقرأ أبو حيوة: " رسالة ربهم " على التوحيد، وقرأ ابن أبي عبلة: " وأحيط " على ما لم يسم فاعله، وقوله تعالى: { وأحصى كل شيء } معناه كل شيء معدود، وقوله تعالى: { ليعلم } الآية، مضمنه أنه تعالى قد علم ذلك، فعلى هذا الفعل المضمر انعطف { وأحاط } ، { وأحصى } والله المرشد للصواب بمنه.