الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } * { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }

الضمير في قوله { استقاموا } قال أبو مجلز والفراء والربيع بن أنس وزيد ابن أسلم والضحاك بخلاف عنه: الضمير عائد على قولهمن أسلم } [الجن: 14]، و { الطريقة } طريقة الكفر، لو كفر من أسلم من الناس { لأسقيناهم } إملاء لهم واستدراجاً. وقال قتادة وابن جبير وابن عباس ومجاهد الضمير عائد على " القاسطين ". والمعنى على طريقة الإسلام والحق لأنعمنا عليهم، وهذا المعنى نحو قوله:ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم } [المائدة: 65]، وقولهلأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [المائدة: 66]. وهذا قول أبين لأن استعارة الاستقامة للكفر قلقة. وقرأ الأعمش وابن وثاب " وأن لوُ " بضم الواو. وقال أبو الفتح هذا تشبيه بواو الجماعة اشتروا الضلالة، والماء الغدق: هو الماء الكثير. وقرأ جمهور الناس " غدَقاً " بفتح الدال، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عنه بكسرها. وقوله تعالى: { لنفتنهم } إن كان المسلمون فمعناه لنختبرهم، وإن كان القاسطون فمعناه لنمتحنهم ونستدرجهم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حيث يكون الماء فثم المال، وحيث يكون المال فثم الفتنة، ونزع بهذه الآية، وقال الحسن وابن المسيب وجماعة من التابعين: كانت الصحابة سامعين مطيعين، فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثب بعثمان فقتل وثارت الفتن. و { يسلكه } معناه يدخله، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء أي " يسلكه " الله، وقرأ بعض التابعين " يُسلكه " بضم الياء من أسلك وهما بمعنى، وقرأ باقي السبعة " نسلكه " بنون العظمة، وقرأ ابن جبير " نُسلِكه " بنون مضمومة ولام مكسورة. و { صعداً } معناه شاقاً، تقول فلان في صعد من أمره أي في مشقة، وهذا أمر يتصعدني، وقال عمر: ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح، وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس: صعد جبل في النار، وقرأ قوم " صُعُوداً " بضم الصاد والعين، وقرأ الجمهور بفتح الصاد والعين، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين، وقال الحسن: معناه لا راحة فيه، ومن فتح الألف من { أن المساجد لله } جعلها عطفاً على قولهقل أوحي إلي أنه } [الجن: 1]، ذكره سيبويه، و { المساجد } قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة.

وقال الحسن: أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة. وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء: { المساجد }: الآراب التي يسجد عليها، واحدها مسجد بفتح الجيم، وقال سعيد بن جبير: نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله: كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك: فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة.

السابقالتالي
2