الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } * { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

" لوط " عليه السلام بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام، ونصبه إما { أرسلنا } المتقدم في الأنبياء وإما بفعل مضمر تقديره واذكر { لوطَا } واستفهامه لهم هو على جهة التوقيف والتوبيخ والتشنيع، و { الفاحشة } هنا إتيان الرجال في الأدبار، وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمم قبلهم.

قال القاضي أبو محمد: وإن كان لفظ الآية يقتضي هذا فقد كانت الآية تحتمل أن يراد بها ما سبقكم أحد إلى لزومها وتشهيرها وروي أنهم إن كانوا يأتي بعضهم بعضاً، وروي أنهم إنما كانوا " يأتون " الغرباء قاله الحسن البصري، قال عمرو بن دينار ما زنا ذكر على ذكر قبل قوم " لوط " ، وحكى النقاش: أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه، وقال بعض العلماء عامل اللواط كالزاني، وقال مالك رحمه الله وغيره: يرجم أحصن أو لم يحصن، وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلاً يسمى الفجأة حين عمل عمل قوم " لوط ".

وقرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم " أنكم " على الخبر كأنه فسر { الفاحشة } وقرأ ابن كثير أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة: " أإنكم " باستفهام آخر، وهذا لأن الأول استفهام عن أمر مجمل والثاني عن مفسر، إلا أن حمزة وعاصماً قرءا بهمزتين، ولم يهمز أبو عمر وابن كثير إلا واحدة و { شهوة }: نصب على المصدر من قولك شهيت الشيء شهاه، والمعنى تدعون الغرض المقصود بالوطء وهو ابتغاء ما كتب الله من الوالد وتنفردون بالشهوة فقط، وقوله: { بل أنتم } إضراب عن الإخبار عنهم أو تقريرهم على المعصية وترك لذلك إلى الحكم عليهم بأنهم قوم قد تجاوزوا الحد وارتكبوا الحظر، والإسراف الزيادة المفسدة.

وقرأ الجمهور " جوابَ " بالنصب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن " جوابُ " بالرفع، ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وصرامة وخذلان بحت في قولهم { أخرجوهم } وتعليلهم الإخراج بتطهير المخرجين، والضمير عائد على " لوط " وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم، وروي أنه لم يكن معه غير ابنتيه وعلى هذا عني في الضمير هو وابنتاه، و { يتطهرون } معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا، قال مجاهد معناه { يتطهرون } عن أدبار الرجال والنساء، قال قتادة: عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم، والخلاف في أهله حسبما تقدم.

واستثنى الله امرأة " لوط " عليه السلام من الناجين وأخبر أنها هلكت، والغابر الباقي هذا المشهور في اللغة، ومنه غير الحيض كما قال أبو كبير الهذلي: [الكامل]


السابقالتالي
2