الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

{ بوأكم } معناه مكنكم، وهي مستعملة في المكان وظروفه، تقول تبوأ فلان منزلاً حسناً، ومنه قوله تعالىتبوىء المؤمنين مقاعد للقتال } [آل عمران:121] وقال الأعشى: [الطويل]

فما بَّوأ الرحمان بيتك منزلاً   بشرقيّ أجيادِ الصَّفا والمحرمِ
و " القصور ": جمع قصر وهي الدور التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت عن الناس قصراً تاماً، و " النحت " النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه، وقرأ الحسن بن أبي الحسن " تنحَتون " بفتح الحاء، وقرأ جمهور الناس: بكسرها وبالتاء من فوق، وقرأ ابن مصرف: بالياء من أسفل وكسر الحاء، وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، وكانوا " ينحِتون " الجبال لطول أعمارهم، و { تعثوا } معناه تفسدوا يقال: عثا يعثي وعثا يعثو وعثى يعثى كنسى ينسى وعليها لفظ الآية، وقرأ الأعمش " تِعثوا " بكسر التاء و { مفسدين }: حال.

وتقدم القول في { الملأ } ، وقرأ ابن عامر وحده في هذا الموضع " وقال الملأ " بواو عطف وهي محذوفة عند الجميع، و { الذين استكبروا } هم الأشراف والعظماء الكفرة، و { استكبروا } يحتمل أن يكون معناه طلبوا هيئة لنفوسهم من الكبر، أو يكون بمعنى كبروا كبرهم المال والجاه وأعظمهم فيكون على هذا كبر و " استكبر " بمعنى كعجب واستعجب، والأول هو باب استفعل كاستوقد واسترفد، والذين استضعفوا هم العامة والأغفال في الدنيا وهم أتباع الرسل، وقولهم { أتعلمون } استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف، فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله فحملت الأنفة الإشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم.