الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ }

{ كم } في موضع رفع بالابتداء والخبر { أهلكناها } ، ويصح أن يكون الخبر في قوله { فجاءها } و { أهلكناها } صفة، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مقدر بعدها تقديره وكم أهلكنا من قرية أهلكناها، وقدر الفعل بعدها - وهي خبرية - تشبيهاً لها بالاستفهامية في أن لها في كل حال صدر الكلام، وقالت فرقة المراد وكم من أهل قرية وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقام المضاف، وقالت فرقة إنما عبر بالقرية لأنها أعظم في العقوبة إذا هلك البشر وقريتهم، وقد بين في آخر الآية بقوله { أوهم } أن البشر داخلون في الهلاك، فالآية على هذا التأويل تتضمن هلاك القرية وأهلها جميعاً، وعلى التأويل الأول تتضمن هلاك الأهل ولا معنى لذكر القرية، والمراد بالآية التكثير، وقرأ ابن أبي عبلة: " وكم من قرية أهلكناهم فجاءهم بأسنا ". وقوله { فجاءها } يقتضي ظاهره أن المجيء بعد الإهلاك، وذلك مستحيل فلم يبق إلا أن يعدل على ظاهر هذا التعقيب فقيل الفاء قد تجيء بمنزلة الواو ولا تعطى رتبة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وقيل عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك، قال مكي في المشكل: مثل قولهفإذا قرأت القرآن فاستعذ } [النحل:98].

قال القاضي أبو محمد: وهذا يحتج به في تأويل من قال الفاء في هذه الآية لتعقيب القول، وقيل المعنى " أهلكناها " بالخذلان وقلة التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك، وقال الفراء وحكاه الطبري أن الإهلاك هو مجيء البأس ومجيء البأس هو الإهلاك فلما تلازما لم يبال أيهما قدم في الرتبة، وقيل إن الفاء لترتيب القول فقط فكأنه أخبر عن قرى كثيرة أنه أهلكها ثم قال فكان من أمرها مجيء البأس.

و { بياناً } نصب على المصدر في موضع الحال، و { قائلون } من القائلة، وإنما خص وقتي الدعة والسكون لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول لما فيه من البغت والفجأة، و { أو } في هذا الموضع كما تقول: الناس في فلان صنفان حامد أو ذام، فكأنه قال جاءهم بأسنا فرقتين بائتين أو قائلين، وهذا هو الذي يسمى اللف، وهو إجمال في اللفظ يفرقه ذهن المخاطب دون كلفة، والبأس: العذاب، وقيل: المراد أو وهم قائلون فكره اجتماع حرفي العطف فحذفت الواو وهذا تكلف لأن معنى اللف باق.

وقوله تعالى: { فما كان دعواهم } الآية، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى، والدعوى في كلام العرب لمعنيين، أحدهما الدعاء قال الخليل: تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قول عز وجل:فما زالت تلك دعواهم } [الأنبياء:15].

ومنه قول الشاعر [الطويل]

وإن مَذِلَتْ رجلي دعوتك أشتفي   بدعواك من مذل بها فيهونُ

السابقالتالي
2