الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }

هذه ألف استفهام دخلت على الواو العاطفة، والاستفهام هنا بمعنى التقرير والتوبيخ، وعجبهم الذي وقع إنما كان على جهة الاستبعاد والاستمحال، هذا هو الظاهر من قصتهم، وقوله: { على } قيل هي بمعنى مع، وقيل على حذف مضاف تقدره على لسان رجل منكم.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المجيء بنفسه في هذا الموضع يصل بـ { على } إذ كل ما يأتي من الله تعالى فله حكم النزول فكأنه { جاءكم } معناه نزل فحسن معه أن يقال { على رجل } واللام في { لينذركم } لام كي. وقوله { ولعلكم } ترجّ بحسب حال نوح ومعتقده لأن هذا الخبر إنما هو من تلقاء نوح عليه السلام.

وقوله: { فكذبوه } الآية، أخبر الله عنهم أنهم بعد تلطفه بهم كذبوه فأنجاه الله والمؤمنين به في السفينة وهي الفلك، و { الفلك } لفظ واحد للجمع والمفرد، وليس على حد جنب ونحونه، لكن فلك للواحد كسر على فُلك للجميع فضمة الفاء في الواحد ليست هي في الجمع وفعل بناء تكسير مثل أسد وأسد، ويدل على ذلك قولهم في التثنية فلكان، وفي التفسير: أن الذين كانوا مع نوح في السفينة أربعون رجلاً، وقيل ثمانون، وقيل عشرة، فهم أولاده يافث وسام وحام، وفي كثر من كتب الحديث للترمذي وغيره: أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام، وقال الزهري في كتاب النقاش: وفي القرآنذرية من حملنا مع نوح } [الإسراء:3].

قال القاضي أبو محمد: فيحتمل أن يكون سائر العشرة أو الأربعين حسب الخلاف حفدة لنوح ومن ذريته فتجتمع الآية والحديث، ويحتمل أن من كان في السفينة غير بنيه لم ينسل، وقد روي ذلك، وإلا لكان بين الحديث والآية تعارض، وقوله: { كذبوا بآياتنا } يقتضي أن نوحاً عليه السلام كانت له آيات ومعجزات، وقوله: { عمين } وزنه فعلين وهو جمع عم وزنه فعل، ويريد عمى البصائر، وروي عن ابن عباس أن نوحاً بعث ابن أربعين سنة، قال ابن الكلبي: بعد آدم بثمانمائة سنة، وجاء بتحريم البنات والأخوات والأمهات والخالات والعمات، وقال وهب بن منبه بعث نوح وهو ابن أربعمائة سنة، وقيل بعث ابن ثلاثمائة سنة، وقيل ابن خمسين سنة، وروي أنه عمر بعد الغرق ستين سنة، وروي أن الطوفان كان سنة ألف وستمائة من عمره صلى الله عليه وسلم، وأتى في حديث الشفاعة وغيره: أن نوحاً أول نبي بعث إلى الناس، وأتى أيضاً أن إدريس قبل نوح ومن آبائه وذلك يجتمع بأن تكون بعثة نوح مشتهرة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان، فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة.