الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

هذه آية اعتبار واستدلال، وقرأ نافع وأبو عمرو " الرياح " بالجمع " نُشُراً " بضم النون والشين، قال أبو حاتم، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء، واختلف عنهم الأعرج، وأبي جعفر ونافع وأبي عمرو وعيسى بن عمر وأبي يحيى وأبي نوفل الأعرابيين، وقرأ ابن كثير " الريح " واحدة " نُشْراً " بضمها أيضاً، وقرأ ابن عامر " الرياح " جمعاً " نُشْراً " بضم النون وسكون الشين، قال أبو حاتم: ورويت عن الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء وقتادة وأبي عمرو، وقرأ حمزة والكسائي، " الريح " واحدة، " نَشْراً " بفتح النون وسكون الشين، قال أبو حاتم وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش وابن وثاب وإبراهيم وطلحة والأعمش ومسروق بن الأجدع، وقرأ ابن جني قراءة مسروق " نَشَرا " بفتح النون والشين، وقرأ عاصم " الرياح " جماعة " بُشْراً " بالباء المضمومة والشين الساكنة، وروي عنه " بُشُراً " بضم الباء والشين، وقرأ بها ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة، وقرأ محمد بن السميفع وأبو قطيب " بُشرى " على وزن فعل بضم الباء، ورويت عن أبي يحيى وأبي نوفل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " بَشْرا " بفتح الياء وسكون الشين، قال الزهراوي: ورويت هذه عن عاصم.

ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد، وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقولهومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } [الروم:45] وقولهوأرسلنا الرياح لواقح } [الحجر:22] وقولهالله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً } [الروم:48] وأكثر ذكر الريح مفردة، إنما هو بقرينة عذاب، كقولهوفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [الذاريات:41] وقولهوأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية } [الحاقة:6] وقولهبل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها } [الأحقاف:24] نحا هذا المنحى يحيى بن يعمر وأبو عمرو بن العلاء وعاصم، وفي الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا هبت الريح يقول " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " ".

قال القاضي أبو محمد: والمعنى في هذا كله بين، وذلك أن ريح السقيا والمطر أنها هي منتشرة لينة تجيء من هاهنا وتتفرق فيحسن من حيث هي منفصلة الأجزاء متغايرة المهب يسيراً أن يقال لها رياح، وتوصف بالكثرة ريح الصر والعذاب، عاصفة صرصر جسد واحد شديدة المر مهلكة بقوتها وبما تحمله أحياناً من الصر المحرق، فيحسن من حيث هي شديدة الاتصال أن تسمى ريحاً مفردة، وكذلك أفردت الريح في قوله تعالى:وجرين بهم بريح طيبة } [يونس:22] من حيث جري السفن إنما جرت بريح متصلة كأنها شيء واحد فأفردت لذلك ووصفت بالطيب إزالة الاشتراك بينها وبين الريح المكروهة، وكذلك ريح سليمان عليه السلام إنما كانت تجري بأمره أو تعصف في حقوله وهي متصلة، وبعد فمن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس، وأيضاً فتقيدها بـ " نشر " يزيل الاشتراك.

السابقالتالي
2 3