الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ }

قرأ جمهور الناس " إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " بتثقيل " إنّ " ورفع " عبادٌ " وهي مخاطبة للكفار في تحقير شأن أصنامهم عندهم أي إن هذه الأصنام مخلوقة محدثة، إذ هي أجسام وأجرام فهي متعبدة أي متملكة، وقال مقاتل، إن المراد بهذه الآية طائفة من العرب من خزاعة كانت تعبد الملائكة فأعلمهم الله أنهم عباد أمثالهم لا آلهة، وقرأ سعيد بن جبير " إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم " بتخفيف النون من " إنْ " على أن تكون بمعنى ما وبنصب قوله " عباداً وأمثالكم " ، والمعنى بهذه القراءة تحقير شأن الأصنام ونفي مماثلتهم للبشر، بل هم أقل وأحقر إذ هي جمادات لا تفهم ولا تعقل، وسيبويه يرى أن " إن " إذا كانت بمعنى " ما " فإنها تضعف عن رتبة " ما " فيبقى الخبر مرفوعاً وتكون هي داخلة على الابتداء والخبر لا ينصبه، فكان الوجه عنده في هذه القراءة " إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " وأبو العباس المبرد يجيز أن تعمل عمل " ما " في نصب الخبر، وزعم الكسائي أن " إن " بمعنى " ما " لا تجيء إلا وبعدها إلا كقوله تعالى:إن الكافرون إلا في غرور } [الملك:20] ثم بين تعالى الحجة بقوله { فدعوهم } أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا، وقوله تعالى: { ألهم أرجل } الآية، الغرض من هذه الآية، ألهم حواس الحي وأوصافه؟ فإذا قالوا لا، حكموا بأنها جمادات فجاءت هذه التفصيلات لذلك المجمل الذي أريد التقرير عليه فإذا وقع الإقرار بتفصيلات القضية لزم الإقرار بعمومها وكان بيانها أقوى ولم تبق بها استرابة، قال الزهراوي: المعنى أنتم أفضل منهم بهذه الجوارح النافعة فكيف تعبدونهم؟

قال القاضي أبو محمد: و " تتقون " بهذا التأويل قراءة سعيد بن جبير، إذ تقتضي أن الأوثان ليست عباداً كالبشر، وقوله في الآية { أم } إضراب لكل واحدة عن الجملة المتقدمة لها، وليست " أم " المعادلة للألف في قوله أعندك زيد أم عمرو؟ لأن المعادلة إنما هي في السؤال عن شيئين أحدهما حاصل، فإذا وقع التقدير على شيئين كلاهما منفي فـ " أم " إضراب عن الجملة الأولى.

قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي فرق معنوي، وأما من جهة اللفظ والصناعة النحوية فهي هي، وقرأ نافع والحسن والأعرج " يبطِشون " بكسر الطاء وقرأ نافع أيضاً وأبو جعفر وشيبة " يبطُشون " بضمها، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعجزهم بقوله { قل ادعوا شركاءكم } أي استنجدوهم إلى إضراري وكيدي ولا تؤخروني، المعنى فإن كانوا آلهة فسيظهر فعلهم، وسماهم شركاءهم من حيث لهم نسبة إليهم بتسميتهم إياهم آلهة وشركاء لله، وقرأ أبو عمرو ونافع " كيدوني " بإثبات الياء في الوصل، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي " كيدون " بحذف الياء في الوصل والوقف، قال أبو علي: إذا أشبه الكلام المنفصل أو كان منفصلاً أشبه القافية وهم يحذفون الياء في القافية كثيراًً قد التزموا ذلك، كما قال الأعشى: [المتقارب]


السابقالتالي
2