الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري أن لا يعلم غيباً ولا يدعيه، فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر، وهذا الاستثناء منقطع، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له، وهذا لفظ عام في كل شيء، وقد خصص الناس هذا فقال ابن جريج ومجاهد: " لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح ". وقالت فرقة: أوقات النصر لتوخيتها، وحكى مكي عن ابن عباس أن معنى لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة.

قال القاضي أبو محمد: وألفاظ الآية تعم هذا وغيره، وقوله: { وما مسني } يحتمل وجهين وبكليهما قيل، أحدهما أن { ما } معطوفة على قوله: { لاستكثرت } أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعاً تم في قوله: { لاستكثرت من الخير } وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به، قال مؤرج السدوسي: { السوء } الجنون بلغة هذيل، ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة، و { لقوم يؤمنون } يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه، وهؤلاء الناس أجمع، والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام، ثم يبتدىء يخبر أنه بشير للمؤمنين به، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه.

وقوله تعالى: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } الآية، قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام بقوله: { وجعل منها زوجها } حواء وقوله { منها } يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء, وقوله: { ليسكن إليها } أي ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال: { فلما تغشاها } أي غشيها وهي كناية عن الجماع، و " الحمل الخفيف " هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس " حَملاً " بفتح الحاء، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير " حِملاً " بكسر الحاء، وقوله { فمرت به } أي استمرت به، قال أيوب: سألت الحسن عن قوله: { فمرت به } فقال: لو كنت امرأً عربياً لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به.

قال القاضي أبو محمد: وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش " فمرَت به " بتخفيف الراء، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ ابن عباس " فاستمرت به " وقرأ ابن مسعود " فاستمرت بحملها " وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي " فمارت به " معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول مارت الريح موراً، و { أثقلت } دخلت في الثقل كما تقول: أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في { دعوا } على آدم وحواء.

السابقالتالي
2