الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

بنية تأذن هي التي تقتضي التكسب من أذن أي علم ومكن وآذن أي أعلم مثل كرم وأكرم وتكرم إلا أن تعلم وما جرى مجرى هذا الفعل إذا كان مسنداً إلى اسم الله عز وجل لم يلحقه معنى التكسب الذي يلحق المحدثين، فإنما يترتب بمعنى علم صفة لا بتكسب بل هي قائمة بالذات وإلى هذا المعنى ينحو الشاعر بقوله:

تعلم أبيت اللعن   
لأنه لم يأمره بالتعلم الذي يقتضي جهالة وإنما أراد أن يوقفه على قوة علمه، ومنه قول زهير:

تعلم إن شر الناس حي   ينادي في شعارهم يسار
فمعنى هذه الآية وإذ علم الله ليبعثن عليهم، ويقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ وإمضاء، كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم علم الله لأفعلن كذا، نحا إليه أبو علي الفارسي، وقال الطبري وغيره { تأذن } معناه أعلم وهو قلق من جهة التصريف إذ نسبة { تأذن } إلى الفاعل غير نسبة أعلم، وتبين ذلك من التعدي وغيره، وقال مجاهد: { تأذن } معناه قال، وروي عنه أن معناه أمر، وقالت فرقة: معنى { تأذن } تألى.

قال القاضي أبو محمد: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا، والضمير في { عليهم } لمن بقي من بني إسرائيل لا للضمير في " لهم ". وقوله: { من يسومهم } قال سعيد بن جبير هي إشارة إلى العذاب، وقال ابن عباس هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

قال القاضي أبو محمد: والصحيح أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، و { يسومهم } معناه يكلفهم ويحملهم، و { سوء العذاب } الظاهر منه الجزية والإذلال، وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي، وقال ابن المسيب فيستحب أن تتعب اليهود في الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم الساكنة معهم وتملكوهم، ثم حسن في آخر هذه الآية لتضمنها الإيقاع بهم والوعيد أن ينبه على سرعة عقاب الله ويخوف بذلك تخويفاً عاماً لجميع الناس ثم رجى ذلك لطفاً منه تبارك وتعالى.

{ وقطعناهم } معناه فرقناهم في الأرض، قال الطبري عن جماعة من المفسرين: ما في الأرض بقعة إلا وفيها معشر من اليهود، والظاهر في المشار إليهم في هذه الآية أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم، والظاهر أنه قبل مدة عيسى عليه السلام لأنه لم يكن فيهم صالح بعد كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، وفي التواريخ في هذا الفصل روايات مضطربة، و { الصالحون } و { دون ذلك } ألفاظ محتملة أن يدعها صلاح الإيمان فـ { دون } بمعنى غير يراد بها الكفرة، وإن أريد بالصلاح العبادة والخير وتوابع الإيمان فـ { دون ذلك } يحتمل أن يكون في مؤمنين، و { بلوناهم } معناه امتحناهم، و { الحسنات } الصحة والرخاء ونحو هذا مما هو بحسب رأي ابن آدم ونظره، و { السيئات } مقابلات هذه، وقوله: { لعلهم } أي بحسب رأيكم لو شاهدتم ذلك، والمعنى لعلهم يرجعون إلى الطاعة ويتوبون من المعصية.