الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } * { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام لما سكن غضبه أخذ الألواح التي كان ألقى، وقد تقدم ما روي أنه رفع أكثرها أو ذهب في التكسر، وقوله: { سكت } لفظة مستعارة شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته، قال يونس بن حبيب: تقول العرب سال الوادي يومين ثم سكت، وقال الزجاج وغيره: مصدر قولك سَكَتَ الغضب، سكْت، ومصدر قولك سكت الرجل سكوت، وهذا يقتضي أنه فعل على حدة وليس من سكوت الناس، وقيل إن في المعنى قلباً، والمراد ولما سكت موسى عن الغضب فهو من باب أدخلت فمي في الحجر وأدخلت القلنسوة في رأسي، وفي هذا أيضاً استعارة، إذ الغضب ليس يتكلم فيوصف بالسكوت، وقرأ معاوية بن قرة: " ولما سكن " ، وفي مصحف حفصة " ولما سكت " ، وفي مصحف ابن مسعود " ولما صبر عن موسى الغضب " ، قال النقاش: وفي مصحف أبيّ: " ولما اشتق عن موسى الغضب " ، وقوله: { وفي نسختها } معناه وفيما ينسخ منها ويقرأ، واللام في قوله { لربهم } يحتمل وجوهاً، مذهب المبرد أنها تتعلق بمصدر كأنه قال الذين رهبتهم لربهم، ويحتمل أنه لما تقدم المفعول ضعف الفعل فقوي على التعدي باللام، ويحتمل أن يكون المعنى: هم لأجل طاعة ربهم وخوف ربهم يرهبون العقاب والوعيد ونحو هذا.

وقوله تعالى: { واختار موسى قومه } الآية، معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء ليكون منه ومنهم اعتذار إلى الله عز وجل من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وطلب لكمال العفو عمن بقي منهم، وروي عن علي بن أبي طالب أن اختيارهم إنما كان بسبب قول بني إسرائيل أن موسى قتل هارون حين ذهب معه ولم يرجع، فاختار هؤلاء ليذهبوا فيكلمهم هارون بأنه مات بأجله، وقوله: { لميقاتنا } يؤيد القول الأول وينافر هذا القول لأنها تقتضي أن ذلك كان عن توقيت من الله عز وجل وعدة في الوقت الموضع، وتقدير الكلام: واختار موسى من قومه، فلما انحذف الخافض تعدى الفعل فنصب، وهذا كثير في كلام العرب.

واختلف العلماء في سبب { الرجفة } التي حلت بهم، فقيل كانت عقوبة لهم على سكوتهم وإغضائهم على عبادة العجل، وقيل: كانت على عبادتهم العجل بأنفسهم وخفي ذلك عن موسى في وقت الاختيار حتى أعلمه الله، قاله السدي، وقيل: كانت عقوبة لهم لأنهم لما دنوا وعلموا أن موسى يسمع كلام الله قالوا له: أرنا ربك فأخذتهم الرجفة، وقيل: كانت عقوبة لتشططهم في الدعاء بأن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا ولا تعطيه أحداً بعدنا، فأخذتهم الرجفة، وقيل: إنما أخذتهم لما سمعوا كلام هارون وهو ميت، وذلك أن موسى وهارون ذهبا إلى التعبد أو نحوه فمات هارون فدفنه موسى وجاء فقالت له بنو إسرائيل: أين هارون؟ فقال: مات، فقالوا بل أنت قتلته لأنك حسدتنا على حسن خلقه وعشرته، فاختار السبعين ليمضوا معه حتى يروا برهان ما قال لهم، فلما وصلوا قال له موسى يا هارون أقتلت أم مت؟ فناداه من القبر بل مت فأخذت القوم الرجفة.

السابقالتالي
2